الخامس : ما اشتهر من إنكار ابن مسعود كون الفاتحة والمعوذتين من القرآن مع ديانته ، واتفاق الصحابة على تعظيمه ، وعلوّ مرتبته ، وبقى على ذلك مستمرا إلى زمان عثمان ، ولم يبدّعه أحد من الصّحابة ، ولا كفّره. ولو كانت متواترة لبدّعوه وكفّروه ، وإذا لم تكن الفاتحة ، والمعوّذتان من القرآن ، مع شهرتها فما ظنّك بما سواها (١).
سلمنا أن القرآن وآحاد آياته منقول عنه بالتواتر ولكن يحتمل أنه كان يحفظه عن غيره. وسمعه منه ، ولم يظهر عليه أحد / سواه ، ومع هذا الاحتمال ؛ فلا يكون ظهوره على يده دلالة على صدقه (٢).
سلمنا أن الهيئة الاجتماعية لم توجد من غيره ؛ ولكن لا نسلم أنّ آحاد الآيات ومفردات الكلمات التى منها تأليفه لم يصدر إلا عنه (٣) لجواز أن يكون مع طول مدته قد انتسخها من كتب المتقدمين وأساطير الأولين ، وما كان يسمعه من الفصحاء ، والبلغاء فى زمانه من الألفاظ الرائقة ، والكلمات الجزلة. وألّف بعضها إلى بعض ولهذا فإنه لما أملى قوله ـ تعالى : ـ (فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظاماً فَكَسَوْنَا) / / الْعِظامَ لَحْماً ثُمَّ أَنْشَأْناهُ خَلْقاً آخَرَ قال الكاتب : (فَتَبارَكَ اللهُ أَحْسَنُ الْخالِقِينَ) (٤) فقال له النبي ـ صلىاللهعليهوسلم ـ اكتب فهكذا انزل فارتدّ هذا الكاتب ، ولم يكن ارتداده إلا لأنه خطر له هذا الاحتمال.
سلمنا أنه لم يظهر القرآن ، ولا آحاد آياته إلا عنه ـ صلىاللهعليهوسلم ـ ولكن لا نسلم إمكان الاستدلال به على صدقه (٥) ؛ وذلك لأنّ القرآن قد يطلق بمعنى المقروء. وقد يطلق بمعنى القراءة. فإن كان المقروء وهو المعجز ؛ فهو عندكم صفة قديمة قائمة
__________________
(١) وللرد على هذه الشبهة قال الآمدي : «أنكر كون الفاتحة والمعوذتين أن تكون منزلة على النبي ـ صلىاللهعليهوسلم ـ أو أن حكمها ليس حكم القرآن؟ الأول : ممنوع ، والثانى : مسلم ، ولا يلزم من ذلك خروجها عن كونها متواترة ، وأنها داخلة فى المعجزة».
(٢) وقد رد الآمدي على هذه الشبهة فقال : «هذا ممتنع ؛ لأن القرآن من أوله إلى آخره مشتمل على ذكر وقائع ، وأحوال جرت له ، ولصحابته معه ، ووقعت على وفق ما أخبر به : أما قبل خبره ، أو بعده». تابع بقية رد الآمدي على هذه الشبهة ل ١٦١ / أوما بعدها.
(٣) وقد رد الآمدي على هذه الشبهة فيما يلى ل ١٦١ / ب.
/ / أول ل ٨٣ / ب.
(٤) سورة المؤمنون : ٢٣ / ١٤.
(٥) وقد رد الآمدي على هذه الشبهة : «بأن المعجز ليس هو المقروء ، وهو الصفة القديمة ؛ بل المعجز إنما هو العبارات الدالة على المعنى القديم» ل ١٦١ / ب ، ١٦٢ / أ.