بذات الرّب تعالى ـ والصفة القديمة يستحيل أن تكون معجزة ؛ إذ لا اختصاص لها بحادث دون حادث. ولا تكون نازلة من الله ـ تعالى ـ منزلة التصديق لمدعى الرسالة. وإن كان المعجز هو القراءة التى هى فعله ، وكسبه ؛ فلا تكون معجزة ؛ فإنها لا تكون من حيث هى فعله ، نازلة منزلة التصديق.
سلمنا إمكان الاستدلال على صدقه ؛ ولكن إذا كان خارقا للعادة ولا نسلم أن القرآن خارق للعادة ، ولا هو فى نفسه معجز.
وأما ما ذكرتموه فى وجه إعجازه فأنتم فيه مختلفون على ما سبق. والاختلاف فى وجه إعجازه يدل على خفاء وجه الإعجاز فيه ، والمعجز يجب أن يكون وجه إعجازه ظاهرا بالنسبة إلى كل من يستدل به عليه بحيث لا يلحقه فيه شك ، ولا ريب ، كيف وأنه مما يتعذّر الإعجاز فيه بكل وجه من الوجوه المذكورة.
أما القول بأن وجه الإعجاز فيه : النّظم المخصوص ، والوزن المخالف لأوزان العرب ؛ فهو ممتنع لوجهين : ـ
الأول : أنّا لا نسلم مخالفة وزنه لسائر أوزان العرب. فإنّ كثيرا من آياته على وزن أبيات العرب منها قوله ـ تعالى : ـ (وَمَنْ تَزَكَّى فَإِنَّما يَتَزَكَّى لِنَفْسِهِ) (١) ومنها قوله ـ سبحانه وتعالى : ـ (سُبْحانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنا هذا وَما كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ) (٢). ومنها قوله ـ تعالى ـ (وَمَنْ يَتَّقِ اللهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً ٢ وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ) (٣). ومنها قوله ـ تعالى : ـ (وَلَقَدْ أَنْذَرَهُمْ بَطْشَتَنا فَتَمارَوْا بِالنُّذُرِ) (٤). وهذه كلها كلمات موزونة / من غير تغيير. ومنها قوله ـ تعالى : ـ (وَيُخْزِهِمْ وَيَنْصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ) (٥). وهو موزون بشرط الإشباع فى كسرة الميم من ويخزهم. ومنه قوله ـ تعالى : ـ (أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ ١ فَذلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ) (٦). فإنه إذا حذف منه اللّام من فذلك كان موزونا. إلى غير ذلك من الآيات التى لو تتبعها المتتبعون ولا سيما إذا غيرت أدنى تغيير بحذف ، أو إشباع ؛ لوجد من ذلك شيئا كثيرا.
__________________
(١) سورة فاطر : ٣٥ / ١٨.
(٢) سورة الزخرف : ٤٣ / ١٣.
(٣) سورة الطلاق : ٦٥ / ٢ ، ٣.
(٤) سورة القمر : ٥٤ / ٣٦.
(٥) سورة التوبة : ٩ / ١٤.
(٦) سورة الماعون : ١٠٧ / ١ ، ٢.