الثانى : وإن سلمنا مخالفة وزنه لسائر الأوزان ؛ فيمتنع أن يكون ذلك بمجرده معجزا ، وإلا كان ما أتى به مسيلمة (١). وغيره على ما يأتى معجزا ؛ إذ هو على وزنه ، أو أن لا يكون وزن القرآن معجزا.
وأما القول بأن وجه الإعجاز من القرآن مجرد ما فيه من البلاغة فباطل من خمسة أوجه :
الأول : أنّا إذا نظرنا إلى أبلغ خطب الخطباء ، وأجزل قصيدة للشعراء ، وقطعنا النظر عن الوزن ، والنّظم المخصوص ، وقسناه بقصار سور القرآن ، كان الأمر فى التّفاوت ملتبسا على البلغاء ، وربّما كان الراجح فى نظره معارضتها ، والمعجز لا بد أن يكون التّفاوت بينه ، وبين غيره قد انتهى إلى حد ينتفى معه الشّك ، والرّيبة فى التباسه بغيره.
الثانى : هو أن كلام القرآن غير خارج عن كلام العرب ، وما من أحد من بلغاء العرب إلا وقد كان عالما بمفردات الكلمات ، وعالما بجهة تراكيبها ، وكان مقدورا له الإتيان بالكلمة ، والكلمات والآية والآيات. ومن كان قادرا على ذلك ؛ كان قادرا على الكلّ.
الثالث : أنّ الصّحابة اختلفوا فى بعض السور ، والآيات أنّها من القرآن. ولو كانت بلاغتها بالنّسبة إلى غيرها منتهية إلى حد الإعجاز ؛ لعرفوها ، ولم يختلفوا فيها.
الرابع : أن الصّحابة عند جمع القرآن كان إذا أتى الواحد منهم بآية أو آيات. ولم يكن مشهورا بالعدالة لا يضعونها فى المصحف إلا ببيّنة ، ولو كانت بلاغتها منتهية إلى حدّ الإعجاز ؛ لعرفوها بذلك ولم يعتبروا فى وضعها فى المصحف عدالة الرّاوى لها.
الخامس : أنّه وإن تميّز بنوع بلاغة على من فى عصره ، غير أن ذلك ممّا لا يدل على الإعجاز ، والدّلالة على صدق مدّعى النبوّة ، إذ التفاوت فى ذلك فيما بين النّاس واقع لا محالة وليس له حد توقف عنده ، إذ ما من فصيح إلا ولعلّ غيره أفصح منه ، ولا يمتنع أن تنتهى البلاغة ، والفصاحة فى كل عصر إلى فصيح لا أفصح منه فى زمانه ، وذلك غير موجب للإعجاز ، ولا للدلالة / / على صدق مدّعى النّبوة ؛ لجواز أن يكون ذلك الشخص هو الّذي انتهت الفصاحة إليه فى زمانه. بحيث يكون لا أفصح منه فى ذلك العصر.
__________________
(١) مسليمة الكذاب : يضرب به المثل فى الكذب ، هو ابن ثمامة بن كبير بن حبيب الحنفى الوائلى ـ أحد الذين ادعوا النبوة ، ولد ونشأ باليمامة فى وادى حنيفة من نجد ، وقد أكثر من وضع الاسجاع التى يحاول بها مضاهاة القرآن الكريم ، حاربه سيف الله خالد بن الوليد وقتله وخلص العالم من شرورة سنة ١٢ ه (سيرة ابن هشام ٣ / ٧٤ ، الأعلام للزركلى ٧ / ٢٢٦).
/ / أول ل ٨٤ / أ.