هو قول من لا يعرف حال السلف ، فتردى في مواضع التلف ، وذلك أن الصحابة رضي الله عنهم مهاجرون وأنصار.
فأما الأنصار فهم الذين ورد فيهم مدح العزيز الجبار بقوله تعالى : (وَيُؤْثِرُونَ عَلى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كانَ بِهِمْ خَصاصَةٌ) [الحشر : ٩] ، وكان من حالهم : أنهم قسموا أموالهم نصفين بينهم وبين المهاجرين ، وخيروا المهاجرين أي النصفين شاءوا ، وشرطوا لهم إصلاح النخيل بأيديهم وعبيدهم ، وقاسموهم في المنازل نصفين ، ومن كانت له زوجتان نزل عن إحداهما ؛ لأن المهاجرين هربوا من بلادهم وخلفوا نساءهم واحتاجوا إلى النسوان فنزل لهم الأنصار عن نصف نسائهم.
وأما المهاجرون فلا شك في غنى كثير منهم ؛ ولكن هل كانت أموالهم لهم؟ المعلوم أن أبا بكر أسلم وهو من أغنياء قريش ، واختلف في مبلغ ماله فقيل : ثمانون ألفا فأنفقه حتى انتهى به الحال إلى أن بقيت له عباءة إذا ركب حلها وإذا نزل أبعد خلالتها واشتمل بها ، وجهز عثمان بن عفان جيش العسرة بتسعمائة بعير وخمسين بعيرا وتمم الألف بخمسين فرسا كل ذلك من صميم ماله ، ولما أقبل الجيش وقد مستهم الفاقة لقاهم منه ناقة محملة مخطومة ، فوهبها لهم فأكلوا ما عليها ونحروها ، إلى غير ذلك من أفعالهم مما لو ذكرناه لطال الشرح واتسع الحال [وفيما ذكرنا ما يغني طالب الاستدلال والمميز بين الحرام والحلال] (١) ؛ فهل من هذه حاله أيها السامع العاقل يحتاج إلى الإكراه أو يطلب به أزيد من الزكاة! أين العقول التي تعقل معنى السؤال ، وتفرق بين الهدى والضلال.
وأما أنه روي عن رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم أنه استلف فذلك كانت حاله منة من الله تعالى على عباده ليقتدي به المؤمنون ، ويتأسى به الصالحون ؛ وإلا فلو أراد أن يسأل
__________________
(١) سقط من (أ) ، وهو في (ب).