سواهن مع كمال إيجادهن بناهن وقد أحكمهن ، أو هو على استمرار حكمه ، فيجوز أن يخلق سماوات وأرضين استمرارا لا إلى غاية ، أو لعبور كونه يريد الإيجاد فأمسك عن الفعل فيكون ذلك لأمر من قبل ذاته ، فيقتضي رجوعه عما كان له مرادا ، أو أراد في آن وأمسك في آن غيره ، أو لأمر جاء عن سواه ، أو لامتناع الإيجاد عليه استمرارا وارتفاع الوجوب والجواز؟
الجواب عندنا : إن القديم عزوجل لا يخرج عن كونه قادرا بحال من الأحوال في وقت من الأوقات ، بل هو قادر على جميع أجناس المقدورات في جميع الحالات التي يجوز وجودها فيها كما قدمنا ، وعندنا أنه يجوز أن يخلق سماوات وأرضين إلى غير غاية ينتهي إليها ، فلا يتعذر عليه الإيجاد تعالى عن ذلك ، بل لا يمتنع عليه شيء من مقدوراته ، ولا تحجز الموانع بينه وبين مراده ، ومعنى يجوز أن يخلق سماوات وأرضين إلى غير غاية أنه يمكنه أن يخلق إذا أراد أن يخلق ؛ لأن الحكمة تمنع من أن يخلق خلقا وهو غير مريد له ، أو يريده ولا يدخل بخلقه في باب الحكمة ؛ لأنه لو كان كذلك لكان قبيحا ، والله تعالى لا يفعل القبيح ؛ لأنه عالم بقبحه ، وغني عن فعله وعالم باستغنائه عنه ، ومن كان بهذه الصفات فإنه لا يفعل القبيح أصلا.
وقد بينا أنه فاعل قادر وليس بعلة موجبة ، لو لا ذلك لكان العالم قديما ، وقد دلت الدلالة على حدثه ؛ فالفاعل القادر لا يقال : لم [فعلت] (١) في وقت دون وقت إلا متى علم أن الداعي المتوفر قائم إلى إيجاد مثل ذلك الفعل ولا صارف له عنه ، فإنه حينئذ يفعل ، ولكن من أين أن الداعي إلى إيجاد سماوات وأرضين قائم ، ولا صارف عنه حتى [لا يقال] (٢) : لم لم يوجد؟ وبعد فالباري عزوجل متفضل بخلق
__________________
(١) في (ب) : لم فعل.
(٢) في (ب) : حتى يقال.