محدث إلى ما لا نهاية له وذلك محال ، أو ينتهي إلى فاعل قديم يستغني بوجوب الوجود له عن محدث يحدثه ، فيجب الاقتصار هاهنا والقضاء بأن الباري لا أول لوجوده ، وذلك معنى قولنا إنه قديم تعالى ، وإذا قد صح أنه تعالى قديم ، فتقدمه على ما أوجده وعلى سائر المحدثات يجب أن يكون تقدما لا أول له ، وما أوجده له أول تحصره الأوقات وتمضي عليه وتعتوره ، وذلك معنى الفضل دون ما ألزم من كون الفضل جسما أو جوهرا أو عرضا ؛ لأنه لو كان كذلك فهو مقدور أيضا ، وهل بينه وبين القادر فضل أم لا؟ وإذا كان فضلا فهو جسم أو جوهر أو عرض ، فيؤدي إلى الدخول في باب الجهالات والمحالات ، والمؤدي إليها ما ذكره فيجب أن يكون محالا.
وبعد ، فالأوقات أبعاض الليل والنهار ولا ليل ولا نهار بين القادر والمقدور ، وقد علمنا الفضل بين ما لوجوده أول وبين ما لا أول لوجوده ، وإن لم يخطر ببالنا وقت ، وليس إذا تقدم أحد الشيئين على الآخر لزم أن يكون متقدما له بزمان أو وقت ، ألا ترى أنا نعلم بفطرة عقولنا تقدم اليوم على ما بعده ، وتقدم آخر وقت منه على أول وقت مما بعده ، ولا يلزم أن يكون تقدمه بوقت ؛ لأن الكلام في ذلك الوقت كالكلام في الوقت الأول ، فإما أن يؤدي إلى أن يحتاج كل وقت في التقدم إلى وقت إلى ما لا نهاية له وذلك محال ، أو لا نعتبر الوقت ولا تقديره ونقتصر على ما نعلمه دون ما نتوهمه ، وهذا هو الأولى ؛ وقد علمنا ضرورة أن اليوم سابق لما بعده ومتقدم عليه ، وكذلك آخر وقت منه لأول وقت مما بعده ، فلا معنى لإثبات ما لا يجب إثباته ، ولا تقدير ما لا يلزم تقديره ، وقد ثبت أن الباري موجود لا أول لوجوده ، وأن المحدث لوجوده أول ، فإذا كنا قد علمنا تقدم بعض الحادثين على بعض مع أنهما قد دخلا تحت الوجود المشار إلى أوله ، فالعلم حاصل لنا بطريقة