الجواب : قد بينا كيفية العمل بالفضل بين القديم القادر وبين المقدور ، وتقدم أحدهما على الآخر ، وأنا لا نفتقر في العلم بتقدمه إلى علم زائد على أنه لا أول لوجوده ، وكذلك لا نفتقر في العلم بالمقدور وحدوثه ، إلى أزيد من العلم بأن لوجوده أولا ، ولا يحتاج في العلم بذلك إلى فضل يكون جسما أو جوهرا أو عرضا ، لأنه كان يكون الكلام في ذلك الجسم والجوهر والعرض كالكلام في المقدور لأنه مقدور أيضا ، فإما أن يحتاج إلى فضل هذه حالة فيؤدي إلى القول بما لا نهاية له وذلك محال ، وقد أدى إليه القول بأن الفضل يكون كذلك ، فيجب أن يكون محالا ، لأن ما أدى إلى المحال فهو محال.
وهذا قول رجع به إلى التحقيق كان خلقا إذ لا يحسن أن يقال : هل تأخر المقدور عن القادر بجسم أو جوهر أو عرض؟ وما فرع من الكلام إن كان الفضل جسما أو جوهرا أو عرضا هو كلام عليه إذ كان بتلك المشابهة ، ولم يثبت بعد أنه بتلك المشابهة ، فالكلام في هذه المسألة راجع إلى الأولى ؛ لأنه قال : إن كان الفضل عرضا ، وقد تقدم في الأولى أنه ليس بعرض ، فإذا استحال الأصل استحال فرعه تبعا ، وقوله : إذا كان عرضا استحال وجوده لا في محل غير مسلم ، فإنا نجوز وجود بعض الأعراض لا في محل كما نذكر فيما بعد إن شاء الله تعالى.
وقوله : إن وجد العرض لا في محل كان قائما بنفسه ، إن أراد [بقائم] (١) بنفسه لا في محل فهذا تكرار وهو مذهب خصمه قد ألزمه إياه ، وإن أراد به يكون جوهرا ، فمن أين أن كل قائم بنفسه جوهر وكان ذلك يلزم في الباري أن يكون جوهرا ، ومعلوم خلافه.
__________________
(١) في (أ) : بقاء بنفسه.