الجواب : الإرادة عندنا جنس الفعل وليست بمراد فلا يحتاج إلى إرادة أخرى ؛ لأن الإرادة إنما يحتاج إليها في وقوع الفعل على وجه دون وجه ، كالخبر مثلا عن زيد بن عبد الله وزيد بن خالد فإنه لا يقع على أحد الوجهين إلا بإرادة كذلك ؛ لأنها حاصلة على سبيل التبع للمراد ، بمعنى أن ما دعا إلى المراد يدعو إلى الإرادة (١) به ، فلو لزم ذلك في الباري سبحانه للزم في الواحد منا ؛ لأن ثبوت الإرادة له سبحانه ولنا على سواء ، ومعلوم أن الواحد منا لا بد أن يكون مريدا بإرادة من فعله لو لا ذلك لما تميز أمره من تهديده ولا أقسام كلامها بعضها من بعض ، وإنما قلنا : يجب أن تكون من فعله لاستحالة أن يكون مريدا بإرادة من فعل غيره ؛ لأن [الغير] (٢) إما قادر لذاته فهو الله تعالى ، ولا يجوز أن يكون الواحد منّا مريدا بإرادة من فعل الله سبحانه ، لأن الواحد منّا يريد القبيح كما يريد الحسن ، فلا يجوز أن يفعل إرادة القبيح ، لأنها تكون قبيحة والله سبحانه لا يفعل القبيح وذلك لا يجوز ، وإرادة الحسن واقفة على داعيه وما يكون [موجودا] (٣) من جهة غير الفاعل ، فلا يقف على دواعيه ، وهذا الدليل يبطل القول بأن الواحد منّا مريد بإرادة من جهة غيره سواء كان المراد حسنا أو قبيحا ، وسواء كان الفاعل لها فيه القديم سبحانه أو غيره ، وإذا كان المغير قادر بقدرة ولا يوجد في غيره إلا بالاعتماد ، والاعتماد لا تأثير له في حصول الإرادة ، لأن الواحد منّا لو اعتمد على صدر غيره لما حصل ذلك له إرادة ، فنفى أن الواحد منّا مريد بإرادة من فعله ، ولا يلزم أن يوجد ما لا نهاية له من الإرادات ، فكذلك الباري تعالى ، لأنهما صفتان مستحقتان لمعنى محدث ، فما لزم في إحداهما لزم في الأخرى ، وما انفصل عن إحداهما انفصل عن الأخرى ،
__________________
(١) في (ب) : يدعو إلى إرادته.
(٢) سقط من (أ).
(٣) في (ب) : موجدا.