والثاني : لا يجوز إطلاقه ، وما ذكره في هذه المسألة قد أتينا على جميعه في المسألة التي قبلها ، لكنه لما دعا مثنى كررنا التلبية ، وقد بيّنا الكلام في الفصل في موضعه.
وقوله : هل يجوز أن يكون فيما لم يزل قبل إيجاد المحدث إلى آخر قوله؟ قول لا يستقيم ؛ لأنه قال قبل إيجاد المحدث : هل كان غير منعم ؛ ومعلوم أن النعمة تستدعي منعما عليه ؛ لأن حد النعمة هي المنفعة الحسنة التي يقصد بها موصلها وجه الإحسان إلى من وصلت إليه ، فلا بد من موصل وموصل إليه ، ولا يكون المنعم عليه إلا محدثا لقيام الدلالة على غنى القديم تعالى ، ووجود المحدث في الأزل يستحيل لما في ذلك من التنافي وخروج الموصوف عن صفة ذاته ، فقد ثبت أنه لا منعم عليه في الأزل ؛ إذ لا يستحيل ، إذ لا موجود في الأزل سواه تعالى ، ولو كان معه موجود لاستغنى كما وجب ذلك للباري سبحانه.
فعلى هذا يجب أن يكون تعالى قبل إيجاد الموجودات غير منعم ولا رازق ولا موجود بالمعنى الثاني من المعنيين الأولين من المسألة الأولى ، إلى أن أوجد وأنعم ورزق ؛ لاستحالة وجود النعمة والمنعم عليه في الأزل ، فلا معنى لقوله : هل يجوز إلى آخر كلامه ، ولكن لا ينبغي أن تطلق هذه الألفاظ على الله تعالى لإيهامها تعريه عن صفات الكمال التي هي القدرة والجود والغنى ، فإن حصلت قرينة جاز إجراء ذلك عليه سبحانه ؛ لأن القرينة ترفع الإشكال وتكشف الإيهام ، وما قاله من أن حدوث النعمة والمنعم عليه توجب حدوث الصفة ويبقى قدمها قول غير محصل ؛ لأن الصفة ليست بذات مميزة فتوصف بحدوث أو قدم ، وإنما هي مزية بعلم الذات عليها ؛ لأنها لو كانت ذاتا مميزة لم يخل إما أن تكون موجودة أو معدومة ؛ والموجودة إما محدثة أو قديمة ؛ والمحدثة إما متحيزة أو غير متحيزة ، ولا يجوز أن تكون الصفة واحدة مما ذكرنا من الأقسام لاستحالة أن تكون ذاتا ؛ لأن القول بأنها ذات يؤدي إلى