النعمة والمنعم عليه فكيف يقال هي ذاتية ، وليس فعل الباري تعالى سبحانه صادرا على وجه الوجوب لأن ذلك يخرجه تعالى عن كونه فاعلا ؛ لأن من حق الفاعل أن يمكنه قبل فعله أن يفعل وأن لا يفعل ، وبذلك ينفصل عن العلة الموجبة ، وإنما يزعم ذلك قوم من الفلاسفة وليس لهم على ذلك برهان ، وقد قطعت حبائلهم أدلة أهل العدل ، وإيضاح ذلك يخرجنا عن الغرض وهو مقرر في مواضعه من أصول الدين ، فكيف يجوز أن تكون ذاتية لأن الذاتية لا تقف على اختيار الفاعل ولا تحصل به ، وفعله الذي [هو] (١) النعمة والمنعم عليه واقف على اختياره موجود بحسب قصده وداعيه ، وقد بيّنا بطلان لزوم الوجود في التضايف في المسائل الأولى التي فيها ذكر التضايف بيانا شافيا ، وبيّنا فساد لفظه في قوله : يوجب وجود الصفة مما ذكرنا من أنها ليست بذات فتوصف بالوجود.
وقوله : إذا قلنا : جواد فعلى من كان جائدا؟ قد أجبنا عنه حيث بيّنا أنه يوصف بأنه جواد وإن لم يكن في الحال فاعلا إذا كان المعلوم من حاله ذلك فلا معنى لنفي الوصف له سبحانه بأحد المعنيين لأجل عدم القائل.
وقوله : بأن الصفة للنفس باطل بما به أبطلنا أن تكون ذاتية ؛ لأنه لا فرق بين أن نقول للنفس أو للذات ، ووصفنا للباري سبحانه بأنه جواد أولا ، لا يقتضي وجود الموجود عليه والموجود به في الأزل ، لأنهما لو وجدا في الأزل لكان ذلك يخرجه عن كونه جوادا لاستغنائهما عنه واستحالة العقول (٢) ووجوب التساوي للشركة في القدم ، فكيف نقول قولنا جواد يقتضي ذلك أعني وجود المرزوق والرزق في الأزل ، وقد خلصنا من غموض هذه التشكيكات وكشف لنا الغطاء عن وجوه المشكلات
__________________
(١) سقط من (أ).
(٢) في (أ) : القبول.