جهلنا ، ومتى لم نعلمه فاعلا لما ذكرنا من الأصوات والحروف لم نعلمه متكلما وإن علمنا ما علمنا ، فثبت من كونه متكلما ليس إلا أنه فاعل لما ذكرنا ، وإذا كان ذلك كذلك لم تكن هذه الصفة من صفات النفس ؛ لأن صفة النفس لا تفتقر إلى مؤثر من علة وفاعل ، وما قدّمنا من تحقيق الكلام يفتقر إلى الفاعل ، فثبت أنها أعني الصفة من صفات الفعل ، وإذا كانت من صفات الفعل ومعلوم وجوب تقدم الفاعل على فعله لو لا ذلك لخرج عن كونه فعلا ، وإذا كان سبحانه متقدما على الكلام بطل ثبوته أزلا ؛ لأن ما ثبت أزلا استحال تقدم غيره عليه ، فقول من يقول بقدم الكلام قول باطل ؛ فدلالة العقل والسمع مانعتان من القول بقدم الكلام.
* أما دلالة العقل فقد قدّمنا بيان ماهية المعقول من الكلام أولا ولا شك في حدثه ، ويدل على حدثه أيضا وجود بعضه في إثر البعض ، لأن المتأخر محدث لسبق الأول له والأول محدث لانحصار الأوقات التي سبق بها الآخر لأنه لو سبقه سبقا لا أول له لما كان كلاما مفيدا.
وقوله : إنه معنى قائم بنفس المتكلم قول لا برهان عليه ، بل قد قضى البرهان ببطلانه لأن حقيقة الكلام ما قدّمنا ، واللغة والعرف يشهدان لنا ؛ لأنه إذا قيل : فلان متكلم لم يسبق إلى أفهام أهل اللغة والعرف سوى ما قدمنا ذكره من أنه فاعل الأصوات المنقطعة والحروف المنظومة المرتبة ؛ إذ لو رفعوا عن أذهانهم ذلك لما عقلوا متكلما ، ولعابوا على من وصفه بذلك ، ولهجّنوا قوله ، فإن قيل : البشر الواحد منا يقول في نفسي كلام فثبت أنه معنى في النفس ، وبطل أن يكون ما ذكرتم على وجه التوسّع والمجاز ، ومراده العكس في كيفية إيجاد الكلام وترتيبه.
ولهذا فإن الواحد منّا متى تعذر عليه ما قدّمنا من الحروف والأصوات لعارض