قديما ثبت أنه محدث لأن القسمة في ذلك دائرة بين النفي والإثبات ، وإذا كانت دائرة بينهما لم يجز دخول متوسط ، وبيان أنها دائرة بينهما أن يقول : لا يخلو إما أن يكون لوجود الكلام أول أو لا يكون لوجوده أول ، فإن لم يكن لوجوده أول فهو القديم وقد بطل كونه قديما ، وإن كان لوجوده أول فهو محدث واختصاصه بالباري سبحانه من حيث الإنشاء ، فلذلك قلنا [هو] (١) كلام الله دون غيره ألا ترى أنا لو سمعنا صبيا ينشد :
(قفا نبك من ذكرى حبيب ومنزل) إلى آخرها ، لعلمنا علما لا تدفعه العقول أنها قصيدة امرئ القيس ، ولو ادعاها مدع لتنازع العقلاء العارفون امرئ القيس (٢) وأنه أنشأها إلى تكذيبه من غير توقف ، وكذلك لو سمعنا قارئا يقرأ ب (سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى) إلى آخرها لعلم من علم نبوة النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم أنها كلام الله تعالى ولو ادعاها مدع لجاز قتله عند الكافة من المسلمين وكان ذلك ردة ؛ لأنه (٣) رد ما علم من دين محمد صلىاللهعليهوآلهوسلم ضرورة وأجمع عليه الكافة ، وإن لزم ما ذكره (٤) فإنما يلزم المجبرة القائلين بقدم كلامه تعالى ، ولعمري أن قولهم في ذلك وغيره مؤدي إلى جهالات وضلالات (٥) مهمة ، فنسأل الله الخلاص من عمى البصيرة واضطراب السريرة.
__________________
(١) زيادة في (ب).
(٢) كذا في (ب) ، وفي (أ) : لامرئ القيس. وهو امرؤ القيس بن الحجر بن الحارث الكندي (١٣٠ ـ ٨٠ ق. ه) من بني آكل المرار. أشهر شعراء العرب ، يماني الأصل ، قيل : مولده بنجد ، وقيل بمخلاف السكاسك باليمن ، واشتهر بلقبه ، واختلف في اسمه ، وكان أبوه ملك أسد وغطفان ، وأمه أخت المهلهل ، وقصته طويلة مع الشعر والخمر ، ومعلقته الشهيرة :
قفا نبك من ذكرى حبيب ومنزل |
|
بسقط اللوى بين الدخول فحومل |
أشهر من نار على علم ، وفيه وفي شعره كتب كثيرة. انظر (الأعلام) ٢ / ١١ ، ١٢.
(٣) في (أ) : لأن.
(٤) في (ب) : ذكر.
(٥) في (ب) : فضلالات.