خلافا لما تذهب إليه الحشوية فلا معنى لقول من يقول : كيف قال تعالى : (وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ) أي علمهما على التفصيل والجملة ، والعلم لا يتوهم فيه السعة ؛ لأنا نقول خاطب بذلك سبحانه على جملة التوسع والمجاز ، وخطابه بالمجاز جائز دليله ما قدمنا ، فلما كان علمه بهما بحيث لا يغادر شيئا منهما صار كأنهما داخلان في إثباته متغلغلان في قيعانه وهو محيط بهما وحائز لهما جاز أن يتجوز في ذلك سبحانه بقوله : (وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ).
وأما قوله : إذا كان المراد به إحاطة علم كان حيا عالما عاقلا يعني العلم ، فذلك قول لا وجه له ولا خفاء بسقوطه ؛ لأنه إذا قيل : علم فلان محيط بكذا وكذا لم يسبق إلى الأفهام ، ولا يخطر في الأوهام ، أن علمه عالم عاقل حي ؛ لأن علمه عرض ، والعلم والحياة والعقل مستحيلة عليه ؛ ولأن ذلك لو جاز فيه أدى إلى التسلسل.
فأما الباري تعالى فلا يتصور الإلزام في حقه لاستحالة كونه عالما بعلم فيقال : هل ذلك العلم عالم أم لا؟ فلا وجه لما ذكره على كل حال ، وقد بينا فيما تقدم أن الطريق إلى جسمانية العرش [والكرسي] (١) السمع ، ولا دلالة فيه تدل على أنهما حيان فيستحيل سؤاله عن التعدي وتوابعه لاستحالة الحياة.
وأما قوله سبحانه : (وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ) [البقرة : ٢٥٥] على قول من يقول : إن الكرسي جسم على ما قدمنا ، فإنه يحمل قوله تعالى : (وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ) [البقرة : ٢٥٥] على حقيقته ؛ لأن السماوات والأرض عنده في جنب الكرسي كما ورد في الخبر عن النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم كحلقة ملقاة في فلاة ، ولا شك في كون الفلاة واسعة للحلقة وأمثالها ، وذلك تشبيه منه صلىاللهعليهوآلهوسلم لصغر السماوات والأرض في جنب الكرسي كالحلقة في جنب الفلاة ، ولا يقتضي ذلك كون
__________________
(١) سقط من (أ).