كُرْسِيُّهُ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ) [البقرة : ٢٥٥] على أن المراد به إحاطة علمه تفصيلا وجملة بما في السماوات والأرض ، حتى [لا] (١) يغادر منهما ولا مما فيهما ذبابا ولا نملة ، فعلمه بما فوق السماوات والأرض كعلمه بما تحتهما وبما في جوفيهما ، وعلمه بما جن عليه الليل كعلمه بما أشرق عليه النهار ، فأتبع سبحانه التمدح بإحاطته بهما أنهما لا [يؤده] (٢) حفظهما حفظا ؛ لأن التمدح لا يقع بحفظ ما لم يعلم ، فلما أخبر أنه عالم بهما أخبر أنه حافظ لهما ، ومن قوله تعالى : (وَسِعَ كُرْسِيُّهُ) أي علمه.
قولهم : علم فلان واسع إذا كان مستدركا للغوامض ، عارفا بالدقائق ، فلما كان علمه ليس من علم المخلوقين بسبيل ، وكيف وهو لا يفتقر إلى برهان ولا دليل ، وطرد الآفات عليه تبارك وتقدس مستحيل ، ساغ أن يقول : (وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ) [البقرة : ٢٥٥] أي أحاط علما بالسماوات والأرض.
وقوله سبحانه في العلم وسع وإن كان مجازا من حيث أن حقيقته في الأجسام شايع ؛ لأنه سبحانه خاطب العرب بلغتهم وهم يخاطبون بالحقيقة والمجاز ، وذلك يقتضي (٣) بأن خطابه على طريقهم ، ولأن المجاز قد ورد في خطابه على طريقتهم ، ولأن المجاز قد ورد في خطابه تعالى في قوله : (وَسْئَلِ الْقَرْيَةَ الَّتِي كُنَّا فِيها وَالْعِيرَ) [يوسف : ٨٢] ، والمراد أهل القرية وأهل العير ؛ لأن العير الإبل وهي بهائم لا تفهم ولا تجيب ، والقرية منازل وأبنية جماد والجواب منها أبعد وسؤالها لا يتوهم ، فثبت أن المراد واسأل أهل القرية وأهل العير. والمجاز : ما أفيد به ما لم يوضع له ، وإنما استعير له ولم يسبقه إلى الإفهام بنفسه ، فإذا ثبت أنه تعالى قد خاطب بالمجاز
__________________
(١) في (ب) : لم.
(٢) في (ب) : لا توودانه.
(٣) في (ب) : وذلك يقتضي جريان خطابه.