(سحريب) (١) وكان في أقل الجمع فدعاه عكرمة إلى الرجوع إلى الدين والنزوع عن الكفر فأجابه بأول الدعاء ، ودعى المصبح فاغتر بكثرة من اجتمع إليه ، وقد ملئوا تلك القيعان والرحاب بأرض مهرة فأبى أشد الإباء ، فناهدهم المسلمون للأشعث إلى عكرمة بأمان فأبلغه عكرمة المهاجر واستأمنه على نفسه ، ونفر معه تسعة على أن يؤمنهم وأهليهم فأجابهم إلى ذلك على أن يفتحوا لهم الباب ، ففتحوا الباب واقتحمه المسلمون فوفوا للتسعة المعينين وقتلوا جميع من فيه من ذكر حالم مدافعة ، وصبرا ، وجمعوا السبي ألف رأس غلام وجارية ، فأنفذوا الخمس إلى أبي بكر ، وقسموا الأربعة الأخماس في جيش المسلمين ، فلما اطمأنت بالأشعث الدار بعد تمصير الكوفة والمدة الطويلة استأذن في فداء نسوة من نسوته ، فكان يسير في الكوفة في القبائل وهو يسأل عن رباب وعقاب وغراب وكلب وذئاب ، فلما وقف على بني نهد قال : ما مسألتك عن هؤلاء النفر؟ قال : إن نساءنا اختطفن يوم البحير ، فأخذهن الذئاب ، والعقبان ، والغربان ، والكلاب ، والذئاب ، فوجدوا غرابا في بني عطيف.
فهل رأيت أيها السامع ، أعجب ممن ينكر سبي أهل المصانع ، الخبثاء من كل جانب ، المرتدين بكل وجه يوجب الردة مع العلم بهذه الأحوال ، والذي ينتهي إليه علمي أني أشهد أن كندة على هذه الصورة التي قدمنا أقرب إلى الله تعالى وإلى الإسلام والمسلمين ، وأشرف نفوسا وأفعالا من أهل المصانع ومن انضاف إليهم ؛ فأين العقول السليمة ، والأفكار الصحيحة ؛ وإذا لم تجدد أحكام شرع محمد صلىاللهعليهوآلهوسلم فمن يجدده ، ومن ذا الذي يطلع بهذا الشأن ، ويوضح هذا البرهان ولو كان ما جهلته العامة من الأحكام ، اطرحته الأئمة عليهمالسلام ، لكانت رسوم الدين اليوم عافية ، وقواعده ـ والعياذ بالله من ذلك ـ واهية ، ولو لم نستدل في حال الردة وجواز سبي
__________________
(١) هو : شخريت ، كما في الطبري.