المخلوق والخالق أمدا بعيدا ، وأن الخالق لا يشبه شيئا من خلقه ، لا في ذاته ، ولا في صفاته.
وقد وصف الله عزوجل نفسه بصفات كثيرة ، من الصعب إدراك حقيقتها على النحو الذي ندرك به أمورنا المعتادة ، بل هذا مستحيل!
من أين للتّافه أن يعرف كنه العظيم؟
إن النملة لا تعرف حقيقة الإنسان ، فحدود عالمها الذي تعيش فيه تقفها دون ذلك.
والطفل ـ في المرحلة الأولى من عمره ـ لا يعرف ما هي الرجولة ، ولا ما يصحبها من سعة عقل ، واستحكام إدراك.
بل إن الإنسان عاجز عن إدراك حقيقة الوجود المادي الذي يعيش فيه ، فكيف يعرف ما وراءه من غيوب؟
إذا قيل : إن الله يسمع ، فليس ذاك بأذن كآذاننا. أو يرى ، فليس ذلك بعين كأعيننا. وإذا قيل : إنه بنى السماء ، فليس على النحو المألوف من تكليف بناة واستحضار أدوات. وإذا قيل : يده فوق أيدينا ، فليس الوصف لجارحة كأعضائنا.
والذي نوقن به ابتداء ، أن صفات المحدثين واحوالهم لا يجوز أن تنسب إلى الله ، فهو ـ سبحانه وتعالى ـ غير مخلوقاته.
وشأن الألوهية أسمى مما تتصور الأذهان الكليلة والعقول القاصرة.
وقد وردت في الوحي الكريم كلمات عن الوجه ، واليدين ، والأعين والاستواء على العرش ، والنزول إلى السماء ، والقرب من العباد ... إلخ ، حاول كثير من المسلمين استكناه دلالتها واستكشاف حقيقتها ، فلم يرجعوا إلا بالحيرة. حتى قال قائلهم :
نهاية إقدام العقول عقال |
|
وآخر سعي العالمين ضلال! |
ولم نستفد من بحثنا طول عمرنا |
|
سوى أن جمعنا فيه قيل وقالوا! |
وكم من جبال قد علا شرفاتها |
|
رجال فبادوا والجبال جبال! |
ولا غرو ، فإن البحث عبث فيما لا يملك المرء وسائل الخوض فيه.