ونحن نجد أن إطلاق المشيئة في آية ، تقيّده آية أخرى يذكر فيها الاختيار الإنساني صريحا.
أي أن إضلال الله لشخص ، معناه : أن هذا الشخص آثر الغيّ على الرشاد ، فأقره الله على مراده ، وتمم له ما يبغي لنفسه ..
(فَلَمَّا زاغُوا أَزاغَ اللهُ قُلُوبَهُمْ وَاللهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفاسِقِينَ) [الصف : ٥].
وانظر إلى قيمة التنويه بالاتجاه البشري المعتاد.
(وَمَنْ يُشاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ ما تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ) [النساء : ١١٥].
فهل بقي غموض في إطلاق المشيئة؟ لا.
إن معنى قوله : (يُضِلُّ مَنْ يَشاءُ) [الرعد : ٢٧ ، النحل : ٩٣ ، فاطر : ٨] لا يعدو قوله : (وَما يُضِلُّ بِهِ إِلَّا الْفاسِقِينَ (٢٦) الَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللهِ مِنْ بَعْدِ مِيثاقِهِ) [البقرة : ٢٦ ـ ٢٧].
وكذلك الحال في (يَهْدِي مَنْ يَشاءُ).
انظر إلى قيمة الإرادة الإنسانية في قول الحق وهو يتكلم عن إرادته : (قُلْ إِنَّ اللهَ يُضِلُّ مَنْ يَشاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ أَنابَ (٢٧) الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللهِ أَلا بِذِكْرِ اللهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ (٢٨)) [الرعد : ٢٧ ـ ٢٨].
فهو يهدي إليه من أناب (إِنَّ اللهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفاسِقِينَ) [المنافقون : ٦].
اجعل أيها القارئ هذا المصباح بين يديك ، وسر في نوره بين شتى السور ، فلن تجد في دين الله قلقا أو اضطرابا.
وإنما القلق والاضطراب في عقول الحمقى ، وقلوب الغافلين.
وهنا قد يسأل البعض عن حدود الإرادة الدنيا والعليا في الأعمال. ومع أن هذا السؤال لا مبرر له ، فنحن نتبرع بالإجابة عنه حتى يظهر السر في نسبة الهداية والإضلال ، تارة لله ، وتارة للإنسان.
هل تعرف ما يفعله الفلاح في حقله؟ إنه يلقي البذر ، ويتعهده بالسّقي وعلى الله