صادِقِينَ (١١١) بَلى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَلَهُ أَجْرُهُ عِنْدَ رَبِّهِ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ (١١٢)) [البقرة : ١١١ ـ ١١٢].
وبعض الوعاظ القصار النظر قد يقعون على آثار دينية محدودة المعنى والمجال ، فيسيئون فهمها وتطبيقها ، ويتجاهلون بها ـ جملة ـ الكتاب والسنة ، بل طبيعة الإيمان نفسه.
تلك الطبيعة التي تخلق من الموات حياة ومن الفوضى نظاما.
خذ مثلا حديث البطاقة عن عبد الله بن عمرو من أن رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم قال : (إن الله تعالى سيخلص رجلا من أمتي على رءوس الخلائق يوم القيامة ، فينشر له تسعة وتسعون سجلا ، كل سجل مثل مد البصر ، ثم يقول : أتنكر من هذا شيئا؟ أظلمك كتبتي الحافظون؟ فيقول : لا يا رب.
فيقول تعالى : بلى : إن لك عندنا حسنة ، فإنه لا ظلم عليك اليوم ، فيخرج بطاقة فيها أشهد أن لا إله إلا الله ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ، فيقول : يا رب ، ما هذه البطاقة مع هذه السجلات! فقال : فإنك لا تظلم.
فتوضع السجلات في كفة والبطاقة في كفة ، فطاشت السجلات ، وثقلت البطاقة ، ولا يثقل مع اسم الله شيء) (١) ...
هذا حديث مثير الدلالة ، ويضع عن الناس شتى التكاليف الإلهية ، ويبطل قوله تعالى: (إِنَّ اللهَ لا يُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ (٨١) وَيُحِقُّ اللهُ الْحَقَّ بِكَلِماتِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ (٨٢)) [يونس : ٨١ ـ ٨٢].
إن إطلاق هذا الحديث وأشباهه بين العوام أو بين الناشئة هدم للدين كله ، وهو الأساس لتكوين طوائف من المتدينين ، تحط من قدر الإيمان وأثره.
* * *
__________________
(١) أخرجه الترمذي ٥ / ٢٤ (٢٦٣٩) ، وابن ماجة ٢ / ١٤٣٧ (٤٣٠٠) ، وأحمد ٢ / ٢١٣ (٦٩٩٤) ، وابن حبان ١ / ٤٦١ (٢٢٥) ، والحاكم ١ / ٤٦ (١٩).