كان مستغربا منه ، إنما وجه العجب أن يصدر عن مؤسس دين كبير ، والأديان ـ عادة ـ ترتكز في حقيقتها الأولى على التعبد المحض.
ونبي الإسلام دعا إلى عبادات شتى ، وأقام دولة ارتكزت على جهاد طويل ضد أعداء كثيرين ، فإذا كان ـ مع سعة دينه ، وتشعب نواحي العمل أمام أتباعه ـ يخبرهم بأن أرجح ما في موازينهم يوم الحساب ، الخلق الحسن. فإن دلالة ذلك على منزل الخلق في الإسلام لا تخفى ...
والحق أن الدين إن كان خلقا حسنا بين إنسان وإنسان ، فهو في طبيعته السماوية صلة حسنة بين الإنسان وربه ، وكلا الأمرين يرجع إلى حقيقة واحدة.
إن هناك أديانا تبشر بأن اعتناق عقيدة ما ، يمحو الذنوب ، وأن أداء طاعة معينة يمسح الخطايا.
لكن الإسلام لا يقول هذا ، إلا أن تكون العقيدة المعتنقة محورا لعمل الخير ، وأداء الواجب ، وأن تكون الطاعة المقترحة غسلا من السوء ، وإعدادا للكمال المنشود. أي أنه لا يمحق السيئات إلا الحسنات التي يضطلع بها الإنسان ، ويرقى صعدا ، إلى مستوى أفضل.
وقد حرص النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم على توكيد هذه المبادي العادلة ، حتى تتبينها أمته جيدا ، فلا تهون لديها قيمة الخلق ، وترتفع قيمة الطقوس.
قال صلىاللهعليهوآلهوسلم : (إن العبد ليبلغ بحسن خلقه عظيم درجات الآخرة ، وأشرف المنازل ، وإنه لضعيف العبادة ، وإنه ليبلغ بسوء خلقه أسفل درجة في جهنم) (١).
وحسن الخلق لا يؤسس في المجتمع بالتعاليم المرسلة ، أو الأوامر والنواهي المجردة ، إذ لا يكفي في طبع النفوس على الفضائل أن يقول المعلم لغيره : افعل كذا ، أو لا تفعل كذا. فالتأديب المثمر يحتاج إلى تربية طويلة ، ويتطلب تعهدا مستمرا.
ولن تصلح تربية إلا إذا اعتمدت على الأسوة الحسنة ، فالرجل السيئ لا يترك في
__________________
(١) أخرجه الطبراني في الكبير ١ / ٢٦٠ (٧٥٤).