نفوس من حوله أثرا طيبا.
وإنما يتوقع الأثر الطيب ممن تمتد العيون إلى شخصه ، فيروعها أدبه ، ويسبيها نبله ، وتقتبس ـ بالإعجاب المحض ـ من خلاله ، وتمشي بالمحبة الخالصة في آثاره.
بل لا بد ـ ليحصل التابع على قدر كبير من الفضل ـ أن يكون في متبوعه قدر أكبر ، وقسط أجل ...
والإسلام ـ كسائر رسالات السماء ـ يعتمد في إصلاحه العام على تهذيب النفس الإنسانية قبل كل شيء ، فهو يكرس جهودا ضخمة للتغلغل في أعماقها ، وغرس تعاليمه في جوهرها حتى تستحيل جزءا منها.
وما خلدت رسالات النبيين وكونت حولها جماهير المؤمنين إلا لأن (النفس الإنسانية) كانت موضوع عملها ومحور نشاطها ، فلم تكن تعاليمهم قشورا ملصقة فتسقط في مضطرب الحياة المتحركة ، ولا ألوانا مفتعلة تبهت على مر الأيام .. لا .. لقد خلطوا مبادئهم بطوايا النفس ، فأصبحت هذه المبادئ قوة تهيمن على وساوس الطبيعة البشرية ، وتتحكم في اتجاهاتها.
وربما تحدثت رسالات السماء عن المجتمع وأوضاعه ، والحكم وأنواعه ، وقدمت أدوية لما يعرو هذه النواحي من علل.
ومع ذلك فالأديان لن تخرج عن طبيعتها في اعتبار النفس الصالحة هي البرنامج المفضل لكل إصلاح ، والخلق القوي هو الضمان الخالد لكل حضارة.
وليس في هذا تهوين ولا غض من عمل الساعين لبناء المجتمع والدولة ، بل هو تنويه بقيمة الإصلاح النفسي في صيانة الحياة وإسعاد الأحياء.
فالنفس المختلة ، تثير الفوضى في أحكم النظم ، وتستطيع النفاذ منه إلى أغراضها الدنيئة ، والنفس الكريمة ، ترقع الفتوق في الأحوال المختلة ويشرق نبلها من داخلها ، فتحسن التصرف والمسير ، وسط الأنواء والأعاصير.
إن القاضي النزيه ، يكمل بعدله نقص القانون الذي يحكم به ، أما القاضي الجائر فهو يستطيع الميل بالنصوص المستقيمة. وكذلك نفس الإنسان حين تواجه ما في الدنيا من تيارات وأفكار ، ورغبات ومصالح.