فتشاكينا ما مر علينا ونالنا.
فقال القاسم : أشد ما مر بي أني لما خرجت من مكة أريد اليمن صرت في مفازة لا ماء فيها ، ومعي ابنة عمي وهي زوجتي وبها حمل ، فجاءها المخاض في ذلك الموضع ، فحفرت لها حفرة لتتولى أمر نفسها ، وضربت في الأرض أطلب لها ماء ، فرجعت وقد ولدت غلاما وجهدها العطش ، فألححت في طلب الماء فرجعت إليها وقد ماتت والصبي حي ، فكان بقاء الغلام أشد علي من وفاة أمه ، فصليت ركعتين ودعوت الله أن يقبضه ، فما فرغت من دعائي حتى مات.
وشكا عبد الله بن موسى أنه خرج في بعض قرى الشام وقد حث عليه الطلب وأنه صار إلى بعض المسالح ، وقد تزيا بزي الأكره والملاحين ، فسخّره بعض الجند ، وحمل على ظهره وأنه كان إذا أعيى فوضع ما على ظهره للاستراحة ضربه ضربا مبرحا ، وقال لعنك الله ولعن من أنت منه.
وقال أحمد بن عيسى وكان من غليظ ما نالني أني صرت على ورزنين ومعي ابني محمد فتزوجت إلى بعض الحاكة هناك وتكنيت بأبي جعفر الجصاص ، فكنت أغدو فأقعد مع بعض من آنس به من الشيعة ، ثم أروح إلى منزلي كأني قد عملت يومي ، وأولدت المرأة بنتا ، وتزوج ابني محمد إلى بعض موالى عبد القيس هناك ، وأظهر مثل الذي أظهرته ، فلما صار لابنتي نحو عشر سنين ، طالبني أخوالها بتزويجها من رجل من الحاكة له فيهم قدر ، فضقت ذرعا لما دفعت إليه ، وخفت إظهار نسبي وألحّ القوم علي في تزويجها ، ففزعت إلى الله تعالى وضرعت إليه في أن يختار لها ويقبضها ، ويحسن علي الخلف ، فأصبحت والصبية عليلة ثم ماتت من يومها ، فخرجت مبادرا إلى ابني محمد أسرّه ، فلقيني في الطريق وأعلمني أنه ولد له ولد فسميته عليا ، فهو بناحية ورزنين لا أعرف له خبرا ، للاستتار الذي أنا فيه (١).
والملاحظ على هذه الرواية ذكر هارون الرشيد مع أنه توفي في جمادى الآخرة سنة (١٩٣ ه) ، يعني قبل خروج محمد بن إبراهيم بست سنوات ، وأيضا فإن عبد الله بن
__________________
(١) تتمة المصابيح / ٣٢١. ونحوه في أمالي أبي طالب / ٩٩.