[دليل الحكمة والإتقان] (١)
فدليل العلم بالله يا بني وأعصم (٢) أسبابه ، وأقرب ما جعل للعلم به من مداخل أبوابه ، ما أظهر في الأشياء سبحانه من آثار الحكمة المتقنة ، التي لا تكون إلا من مؤثر متقن ، وأبان في الأشياء من شواهد التدبير الحسنة المحكمة ، التي لا تكون إلا من حكيم محسن ، كما قال سبحانه : (ذلِكَ عالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ (٦) الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ وَبَدَأَ خَلْقَ الْإِنْسانِ مِنْ طِينٍ (٧) ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ ماءٍ مَهِينٍ (٨) ثُمَّ سَوَّاهُ وَنَفَخَ فِيهِ مِنْ رُوحِهِ وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصارَ وَالْأَفْئِدَةَ قَلِيلاً ما تَشْكُرُونَ) (٩) [السجدة : ٦ ـ ٩]. فكل ما ذكره سبحانه
__________________
(١) دليل الخلق والإبداع والإتقان ، أو التأمل في آثار الصنعة والخلق ، هو دليل قرآني ، أصّل له المتكلمون المسلمون في أصول الدين ، وصار أصلا من أصول النظر والاستدلال في إثبات الخالق ووحدانيته ، وفي الرد على المنكرين للإلهية من الفلاسفة القدماء ، والذين يطلق عليهم بالفلاسفة الدهريين والفلاسفة الطبيعيين ، وقد استفاد المتكلمون من الإمام القاسم الرسي في الاستدلال على الخالق ، لسبقه لهم في هذا الطريق ، وجاء من بعده الجاحظ المتوفي سنة (٢٥٥ ه) والذي عاصره فكتب رسالة في (الدلائل والاعتبار على الخلق والتدبير)) وهي رسالة طبعت أكثر من مرة وحققت ، وكذلك الأشعري المتوفي سنة (٣٢٤ ه) في كتابه ((اللمع)) عند ما استدل بدليل النطفة / ١١ ـ ١٩ ، وأبو بكر الباقلاني المتوفي سنة (٤٠٣ ه) في كتابه ((التمهيد)) وهو كتاب في الرد على فرق الملحدين وغيرهم ، حيث استخدم دليل الخلق والإبداع في الاحتجاج على أهل الطباع ، وكذلك الحافظ أبو بكر البيهقي المتوفي سنة (٤٥٨ ه) في كتابه ((الاعتقاد)). عند ما استدل بالأدلة القرآنية في خلق السماوات والأرض وما فيهما من الدلائل على وجود الخالق ووحدانيه / ٣٠ ـ ٤٣ ، وجاء الغزالي المتوفي سنة (٥٠٥ ه) ليكتب في هذا المجال بإفاضة ، ويؤلف فيه رسالة على نسق ما كتب الإمام القاسم والجاحظ من قبل ويسميها ((الحكمة في مخلوقات الله)) وهي رسالة مطبوعة ومحققة ضمن مجموعة. والقصد مما سبق أن هذا الدليل إسلامي أصيل ، ونجح المسلمون في استخدامه بطريقة بارعة ، ويرجع الفضل للأوائل منهم في هذا الطريق وعلى رأسهم صاحب هذه الرسالة الذي وظفه في الرد على الزنادقة والملحدين والمعاندين.
(٢) في (أ) : وعصم. وفي (د) : وعظم. والعصم والعصام من الدلو والقربة : حبل يشد به ، ومن الوعاء : عروة يعلق بها ، جمعه : أعصمة وعصم ، واعتصم به امتنع ، والعصمة مأخوذة من هذا ، والمراد به هنا القوة والمنع. والسبب في اللغة : الحبل ، وأسباب السماء : مراقيها أو أبوابها.