غفلة ولا عبثا ، في رجوع ولا مقام ولا مسير ، ولا في شيء مما له من صنع ولا من تدبير.
ومن تنبيهه أيضا قوله تبارك وتعالى : (أَفَلا يَنْظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ (١٧) وَإِلَى السَّماءِ كَيْفَ رُفِعَتْ (١٨) وَإِلَى الْجِبالِ كَيْفَ نُصِبَتْ (١٩) وَإِلَى الْأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ)(٢٠) [الغاشية : ١٧ ـ ٢٠]. فخلق الإبل الذي هو صنعها (١) فيه موجود ، ورفع السماء معها معاين مشهود ، ونصب الجبال أوتادا ، وسطح الأرض مهادا ، متيقن معلوم ، ومعاين مفهوم ، وهذه كلها فقد ثبتت صنعا ، وثبت كل صنع بدعا ، بما بان فيها ، وشهد عليها ، من دلائل الصنع وتدبيره ، ومعالم البدع وتأثيره.
فأين خالق الإبل وصانعها؟! وممسك السماء ورافعها؟! وناصب الجبال وموتدها؟! وساطح الأرض وممهدها؟! إذ لا بد اضطرارا لكل مصنوع من صانع ، ولكل مرفوع من الأشياء كلها من رافع ، ولكل منصوب موتد من ناصبه وموتده ، ولا بد لكل مسطوح ممهّد (٢) من ساطحه وممهده ، ذلك الله رب العالمين ، وصانع الصانعين ، الذي جعل الأرض والإبل والجبال صنعا له مصنوعا ، والسماء سقفا بحفظه له ثابتا محفوظا مرفوعا.
ومن توقيفه وتفهيمه ، وتنبيهه وتعليمه ، قوله سبحانه : (أَأَنْتُمْ أَشَدُّ خَلْقاً أَمِ السَّماءُ بَناها (٢٧) رَفَعَ سَمْكَها فَسَوَّاها (٢٨) وَأَغْطَشَ لَيْلَها وَأَخْرَجَ ضُحاها (٢٩) وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذلِكَ دَحاها (٣٠) أَخْرَجَ مِنْها ماءَها وَمَرْعاها (٣١) وَالْجِبالَ أَرْساها)(٣٢) [النازعات: ٢٧ ـ ٣٣]. فلا بد في كل حس وعقل ، لا عند مضرور بخبل (٣) ، لكل بناء ـ غاب أو حضر ـ من بانيه ، ولا بد لكل مرفوع ومسوّى من رافعه ومسوّيه ، ولا بد لكل ليل مغطش من مغطشه ، كما لا بد لكل عرش معروش من
__________________
(١) في (ب) : صنعه.
(٢) في (ب) و (ج) : وممهد.
(٣) في (أ) و (ب) و (ج) و (د) و (ه) : فلا بد في حس ولا عقل ولا عند مضرور بخبل إلا أنه شكّل في (د) على كلمة (لا) في قوله : ولا عقل. وفي نسخة أشار إليها المحقق ب (ص) فلا بد في كل حس وعقل فحذفت الواو من قوله (ولا عند) ليستقيم المعنى.