فكيف ـ يا ويله ـ يلحد ملحد؟! أو يهن أو يضعف لله موحّد؟! ودرك السماوات والأرض وما بينهما من الخلق بالعيان ، والعلم بالله سبحانه فمدرك بأوضح من ذلك من العلم والايقان ، واليقين بالله فما لا يشاركه ولا يختلط به أبدا شك ، وعلم الأبصار والعيان والحواس فعلم بين الانسان والبهائم مشترك ، وقد تعلم البهائم وتدرك بما جعل الله لها من حواسها من السمع والبصر ، كل ما يدرك مدرك بالحواس من جميع البشر.
وكيف ـ ويلهم ـ يرتابون أو يلحدون؟! أو يعتقدون من الشك في الله والشرك بالله ما يعتقدون؟! والله يقول جل جلاله ، عن أن يحويه قول أو يناله : (اللهُ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ ما لَكُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا شَفِيعٍ أَفَلا تَتَذَكَّرُونَ (٤) يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مِنَ السَّماءِ إِلَى الْأَرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كانَ مِقْدارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ) (٥) [السجدة : ٤ ـ ٥]. والولي فهو النصير المانع ، والشفيع فهو الطالب الشافع.
فأخبر سبحانه أن تدبيره وصنعه من العرش لما بعد عنهم ، كتدبيره وصنعه لما قرب في الأرض منهم ، وأن بعد ما بين العرش ـ وهو ذرى السماوات العلى ـ وبين ما تحتهن مما ترى أعينهم من الأرض الأولى ، مقدار ألف سنة كاملة مما يعدون ، وأن الأشياء كلها لا تبعد عنه كما يستبعدون ، وكيف يبعد عليه (١) سبحانه من الأشياء شيء ، وإنما ينشئ منها ما ينشئ ، إذا أراد له إبداء أو إعادة (٢) ، بأن يريده سبحانه إرادة بعد إرادة ، كما قال سبحانه : (إِنَّما قَوْلُنا لِشَيْءٍ إِذا أَرَدْناهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ) (٤٠) [النحل : ٤٠].
وكيف يشك ملحد في صنع الله للأشياء كلها ، أو في ما يرى من دقّ الأشياء أو جلها؟! وقد يرى كيف أحكمت فاستحكمت ، وانقادت للصنعة فتقوّمت ، وذلّت على ما فطرت (٣) ، واضطرت كما اضطرت ، فكلها مصرّف مضرور ، وجميعها بدع
__________________
(١) في (أ) : عنه.
(٢) في (ب) و (ج) : وإعادة.
(٣) في (ب) و (ج) : على ما فطرت عليه.