في (١) ملكه لنظرائه ، وما ادعا لهم خلقا ولا صنعا ، ولو ادعاه لكان ذلك كذبا مستشنعا ، وإنما تأويل قول فرعون : (أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلى) (٢٤) [النازعات : ٢٤] ، أنا سيدكم ومليككم لا ما قال موسى ، ولم يرد أنا لكم رب خلاق ، ولا أنا لكم إله رزاق ، لأن كل رب في لسان العرب فسيد ومليك ، ولا سيما إذا كان وليس له عند نفسه فيما ملك شريك.
أولا تسمع يا بني وترى ، أنّه لم يزعم أنّه رب لغيرهم من أهل القرى ، التي لا ملك له عليها ، ولا سلطان له فيها ، فلما لم يوقن بغيره ، ولم يستدل على الله بتدبيره ، وكذّب من(٢) الله بما لم تره عيناه ، وكان كل من صدّقه مثله لا يوقن إلّا بما عاينه ورآه ، وما كان لذلك مثلا ونظيرا ، قال أنا ربكم ومليككم ولم يدّع لهم صنعا ولا تدبيرا ، صغرا منه وتضاؤلا عن تلك ودعواها ، فلما صغر عنها وتضاءل كان ادعاؤه لسواها ، مما يدخل به وفيه غلط وامتراء ، وما يمكن في مثله له عندهم الادّعاء ، ولو ادعا فيهم خلقا ، أو انتحل لهم رزقا ، لما اعترتهم في كذبه مع تلك مرية ، ولا أعمتهم من الشبهة في أمره معمية ، ولكنهم لما لم يوقنوا بالله وتدبيره ، ولم يقروا إلّا بما رأوا مثله (٣) من فرعون وغيره ، وأنكروا ما لم يروا أو يكون مثلا لما رأوا فدفعوه ، جاز عندهم لفرعون ولهم في فرعون ما ادعوه ، فنحمد الله الذي حسّر (٤) كل من أيقن أو تحيّر عن أن يدعي من صنعه وإن جهله صنعا ، فيكون فيه لشبهة أو تحيّر لمبطل مدّعا ، وإن كان أثر التدبير فيه بأنه صنع مصنوع باديا ، وكان هدى الله فيه لمن لم يهتد إليه بالهدى مناديا ، فنداؤه بإحداث الله له أعلى من كل علي ، وتبدّيه بأنه صنع لله وتدبير أبدى من كل جلي ، فتبارك الله أحسن الخالقين خلقا ، وأحق (٥) جميع الحقائق متحققا ، الذي لم يزل ولا يزال ، ومن له الكبرياء والجلال ، رب الأرباب المعظمة ، وولي كل إحسان
__________________
(١) في (د) و (ه) : من.
(٢) سقط من (د) و (ه) : من.
(٣) في (د) و (ه) : رأوا أو مثله.
(٤) الحسر : الإعياء والتعب.
(٥) في (أ) و (ج) : وأحق من. وفي (ب) : وأحق في.