ثم قال زعم : الذي بعظمته وحكمته ونوره عرفه أولياؤه. فليت شعري أنور أولئك عنده أم ظلمة؟! فإن كانوا نورا (١) فهم أجزاؤه ، أو ظلمة فتلك ـ زعم ـ أعداؤه ، فهو الذي لا ولي له في قوله ، ولم يؤمن عليه الفناء بعد زواله ، عما كان معهودا من حاله ، ومع ما صار إليه من انتقاله ، عن دار أودّائه ، إلى دار أعدائه (٢).
فيا ويل ابن المقفع ، أيّ مشسع (٣) عن الحق شسع ، وأي متطوّح (٤) من الضلالة تطوّح ، وإلى أيّ طحية (٥) من العماية تروّح (٦).
فافهموا أيها السامعون عجيب أنبائه ، وتدبروا من قوله معيب أهوائه ، إذ زعم (٧) أن بعظمة نوره ، وحكمة ما ذكر من زوره ، كانت أولياؤه ـ زعم ـ عارفة ، كأنه يثبت أنها كانت به جاهلة ، ومع تثبيت هذا من القول في أموره ، ثبت عمى (٨) الجهل والشر في نوره ، ثم نسب عظمة إلى عظيم ، وثبّت حكمة لحكيم ، فأضاف نورا إلى منير ، ولا (٩) يخلو ذلك من أن يكون قليلا من كثير ، فيكون كثير ذلك أفضل من قليله ، فيكون مقصرا بالقليل عن الكثير وتفضيله ، والتقصير نقص والنقص عنده شر من شروره ، والشر ـ زعم ـ لا يكون أبدا في نوره. فاسمعوا لقول التناقض ، وزور حجج التداحض ، ففي واحدة مما عددنا ، وأصغر ما من قوله أفسدنا ، كفاية نور كافية ، وأشفية من الضلالة شافية ، لمن أنصف فاعتبر ، واعتبر فادّكر.
فإن زعم أن عظمته ونوره وحكمته هن هو ، زال عنه بزواله عنهن إذ هواهن الارتفاع والعلو ، إلا أن يزعموا أنه ليس في الأرض للنور عظمة ، ولا في دار هذه الدنيا
__________________
(١) في (ب) و (د) : أنوارا.
(٢) في (أ) و (ج) : عذابه. (مصحفة).
(٣) المشسع : المبعد.
(٤) المتطوح : المهلكة والمهوى.
(٥) الطحية : الذهاب في الأرض ، والبعد.
(٦) تروّح أي : ذهب.
(٧) في (ج) : إذ يزعم ، وسقط : إذ من (ب).
(٨) في (ج) : عم الجهل والبشر.
(٩) في (ب) : ولن. وفي (د) : أن.