أبدا عنده العمى؟ أم النور الذي لا يخشى ولا يعمى (١)؟! ولا يكون منه أبدا عنده إلا الرضى؟! بل ليت ـ ويله ـ شعري ، فلا يشك ـ زعم ـ ولا يمتري ، من الذي يدعوه إلى الإحسان من الإساء؟! (٢) ومن الذي ينادي به إلى الصواب عن الخطأ؟! أهو النور الذي لا يسيء؟! والمصيب الذي لا يخطي؟! فلا حاجة له إلى دعائه وندائه ، وهو لا يسيء أبدا فيكون كأعدائه ، أم المسيء الذي لا يحسن؟! والمخطئ الذي يشتم ويلعن؟! كان يا ويله إليه دعاؤه ، وبه كان نداؤه ، فأنى يجيبه وليس بمجيب؟! وأنى يصيب من ليس أبدا بمصيب؟!
إن ابن المقفع ليكابر يقين علم نفسه ، وإن به لطائفا من لمم الشيطان ومسّه ، بل مثل ابن المقفع يقينا ، وما مثّله الله به تبينا ، ما ذكر الله جل ثناؤه ، وتباركت بقدسه أسماؤه ، حيث يقول : (أُولئِكَ كَالْأَنْعامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولئِكَ هُمُ الْغافِلُونَ (١٧٩)) [الأعراف : ١٧٩]. يقول الله سبحانه : (وَلِلَّهِ الْأَسْماءُ الْحُسْنى فَادْعُوهُ بِها وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمائِهِ سَيُجْزَوْنَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ) (١٨٠) [الأعراف : ١٨٠]. ثم قال سبحانه : (وَمِمَّنْ خَلَقْنا أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ) (١٨١) [الأعراف : ١٨١]. فلعمر الحق وأهله ، ما وفّق (٣) ابن المقفع فيه لعدله ، ألم يسمع ويله ، قول الله لا شريك له : (أَوَلَمْ يَنْظُرُوا فِي مَلَكُوتِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما خَلَقَ اللهُ مِنْ شَيْءٍ وَأَنْ عَسى أَنْ يَكُونَ قَدِ اقْتَرَبَ أَجَلُهُمْ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ (١٨٥) مَنْ يُضْلِلِ اللهُ فَلا هادِيَ لَهُ وَيَذَرُهُمْ فِي طُغْيانِهِمْ يَعْمَهُونَ)(١٨٦) [الأعراف : ١٨٥ ـ ١٨٦]. فيا ويل ابن المقفع لقد أدّاه عتهه وعماه في الأمور ، إلى أجهل الجهل فيما وصف من الظلمة والنور ، وليس علّته (٤) فيما أحسب من ضلاله ، ولا علة من تبعه عليه من جهاله ، إلا قلة علمهم بما شرع الله به دينه ونزل به كتابه من الحكمة ، لا عن شبهة
__________________
(١) في (ب) و (د) : ويعمى.
(٢) في جميع المخطوطات : الإساءة. ولعل الصواب ما أثبت ، والله أعلم. رغم أني لم أقف على الإساء في معاجم اللغة.
(٣) في (أ) و (ج) : ما وافق.
(٤) في (أ) : عليه. وفي (ج) علمه. مصحفة.