دخلت عليه ولا عليهم فيما وصفوا من النور والظلمة ، فلما ـ عموا عن حكم (١) الله في ذلك ورسله ، وما حكم به فيه سبحانه من أحكام عدله ، ورأوا فيه ما ظنوه (٢) تناقضا ، ورأوا كل أهل ادعائه فيه متباغضا ، ولم يلجئوا (٣) إلى الله في جهله باستسلام ، ولا عصمهم(٤) فيه من صالح عمل بعروة اعتصام ، ولم يلقوا (٥) ـ فيما اشتبه منه ـ من جعلهم الله معدنه ، فيكشفوا لهم الأغطية عن محكم نوره ، ويظهروا لهم الأخفية من مشتبه أموره ، الذين جعلهم الله الأمناء عليها ، ومنّ عليهم بأن جعلهم الأئمة فيها ، ولم يجدوا عند علماء هذه العامة فيما اشتبه عليهم منه (٦) شفاء ، ولم يرجوا منهم في مسألة لو كانت لهم عنه اكتفاء ـ ازدادوا بذلك إلى حيرتهم فيه حيرة ، ولم تفدهم أقوال العلماء فيه بصيرة ، حتى بلغني والله المستعان ـ من تهافت الضعفاء في (٧) هذا المذهب العمي ، لما رأوا من جهل علماء هذه العامة بما فيه لأهله من الدعاوي ما دعاني (٨) إلى وضع أقواله ، والكشف عما كشف الله عنه من ضلاله ، وإن كان عندنا قديما لحمقه وضعفه ، لمما لا أحسب بأحد حاجة إلى كشفه ، حتى بلغني عن الحمقى منه انتشار ، وتتابعت بانتشاره عليّ أخبار ، ورفعت إلينا منه مسائل عن ابن المقفع ، لم آمن أن يكون بمثلها اختدع في مذهبه كل مختدع ، فرأيت من الحق علينا جوابها ، وقطع ما وصل به من باطله أسبابها ، فلينصف فيها ، من نظر إليها ، وليحكم ـ فيما يسمع منها نقائضها ـ حكم الحق ، فإنه أعدل الحكم وأرضاه عند من يعقل من الخلق ، وما ألّف من مسائله هذه وجمع ، فهو ما أوقعه من الضلال بحيث وقع ، فذكر فيها النور والظلمة تلعبا ، وتلعّب بذكرهما فيهما كذبا.
__________________
(١) في (ب) : حكمة.
(٢) في (أ) و (ج) : ما طلبوه (مصحفة).
(٣) في (أ) : يلجؤه. وفي (د) : يلجأ.
(٤) في (ب) : أعصمهم.
(٥) في (أ) و (ج) : يلحقوا.
(٦) في (أ) و (ج) : فيه.
(٧) في (ج) : وفي. وفي (د) : من.
(٨) في (أ) و (ج) : ما هو دعاني. (مصحفة).