فافهموا عنا جواب مسائله ، فإن فيه إن شاء الله قطع حبائله ، التي لا تصيد صوائدها ، ولا تكيد له كوائدها ، إلا حمقان الرجال ، وموقان (١) الأنذال ، كان أول ما بدأ منها ، وقال به متحكما عنها : إن سألناك يا هذا فما أنت قائل : أتقول كان الله وحده ولم يكن شيء غيره.
فاعرفوا يا هؤلاء فضول قوله ، فإنّ (٢) لم يكن شيء غيره هو من فضوله ، (٣) التي كثّر بها كتابه ، وضلّل بها أصحابه ، ومسألته هذا مما كان جوابه فيه قديما ، من كل من أثبت لله من خلقه توحيدا وتعظيما ، وفي ذلك من كتب ضعفة الموحدين وعلماءهم ، ما فيه اكتفاء لمن نظر في آرائهم ، ففي كتبهم فانظروا ، ومن نور قولهم فيه فاستنيروا ، ففيها لعمري منه ما كفى ، وصفوة (٤) هدى لمن اصطفى ، ومع ذلك فسنجيب مسألته ، ونقطع إن شاء الله علته.
نعم وكذلك يقول في الله فليعقل قولنا فيه من سمعه ، ممن لم يتبع ابن المقفع وممن تبعه ، فقد يعلم كل أحد أن الواحد لا يكون واحدا ، عند من أثبت له ندا وضدا ، وأنه متى كان معه غيره ، ضده (٥) كان ذلك أو نظيره ، زال أن يكون معنى الواحد المعلوم ثابتا ، ويعلم كل أحد أنه لا يكون ذو الأجزاء إلا أشتاتا ، ولا تكون أبدا الأشتات إلا كثيرا ، ولا تكون أجزاء إلا كان بعضها لبعض نظيرا.
أو ليس معلوما معروفا أن من وراء كل غاية غاية ، حتى ينتهي المنتهي الذي ليس من ورائه غاية ولا نهاية ، وأنه إن كان مع غاية غاية ، أو بعد نهاية عند أحد نهاية ، فلم تصر بعد إلى غاية الغايات ، ولم ينته عقله إلى نهاية النهايات ، وأنه يصير بالعظمة عند النظر من عظيم إلى عظيم ، حتى يقفه النظر على غاية ليس وراءها مزيد في تعظيم.
__________________
(١) في (ب) : مرقان. لعلها مصحفة. وموقان : جمع مائق. وهو الأحمق الغبي.
(٢) في (أ) و (ب) و (ج) : إن. بغير ضبط. فأفهمت الجازمة. وهي هنا الناصبة ، لأن الإمام يتكلم عن جملة قول ابن المقفع (لم يكن شيء غيره) فليتأمل.
(٣) في (أ) : فصوله ، وهي محتملة للصواب.
(٤) في (أ) و (ج) : وضوه هذا. تصحيف.
(٥) في (أ) و (ج) : ضد.