وكذلك الأمر في كل معلوم أو مجهول ، حتى ينتهي إلى الله الذي لا يدرك إلا بالعقول ، فيجده كل عقل سليم ، وفكر قلب حكيم ، واحدا لا اثنين ، وشيئا لا شيئين ، عظيم ليس من ورائه عظيم ، وعليم ليس فوقه عليم ، ذلك الله الرحمن الرحيم ، الواحد الأول القديم ، القدوس الملك الحكيم ، الذي لا تناويه الأعداء بمقاتلة ، ولا تكافيه الأشياء بمماثلة ، وهو الله الذي لم يلد ولم يولد ، والصمد الذي ليس من ورائه مبتغى يصمد ، غاية طلب الخيرات ، ونهاية النهايات ، وإذا صحح حجتنا في هذا صوابنا ، فهو لمن سأل عن وحدانية الله جوابنا.
فأما ما ذكر (١) بعد هذا من القيل (٢) فحشو مسربل بهذيان الفضول ، ليس له مرجوع نفع ، ولا يحتاج له إلى دفع.
أرأيتم حين يقول : انقلب عليه خلقه الذين ـ زعم ـ هم عمل يديه ، ودعاء كلمته ، ونفخة روحه ، فعادوه ، وسبوه وآسفوه ، وأنشأ تعالى يقاتل بعضهم في الأرض ، ويحترس من بعضهم في السماء بمقاذفة النجوم ، ويبعث لمقاتلتهم ملائكته وجنوده.
فيا ويل ابن المقفع ما أكذب قيله! وأضل عن سبيل الحق سبيله!! متى قيل له ـ ويله ـ ما قال؟! أو زعم له أن الأمر في الله كذا كان؟! ومتى ـ ويله ـ قلنا له أن من قوتل هو من قذف بالقذف؟! وأن الله في نفسه هو المحترس أف لقوله ثم (٣) أف!! بل الله (٤) هو المانع لأعدائه ، من أن يصلوا من العلو إلى مقر أوليائه ، تعريفا ـ بعدل (٥) حكمه ، وفيما تعلم الملائكة من علمه ـ بين الشياطين العصاة ، وبين الملائكة المصطفاة ، ورحمة منه سبحانه للآدميين ، وإقصاء عن (٦) علم السماء للشياطين ، توكيدا به لحجته
__________________
(١) في (ب) و (د) : ما ذكره.
(٢) في (أ) و (ج) : القبل. وفي (ب) و (د) : القتل. وكلاهما مصحفة ، ولعل الصواب ما أثبتنا.
(٣) في (أ) و (ج) : من.
(٤) في (ب) و (د) : بل هو الله المانع أعداءه.
(٥) في (أ) و (ج) : فعدل. مصحفة.
(٦) في (أ) : من.