هنالك ، (وَأَنَّا لَمَسْنَا السَّماءَ فَوَجَدْناها مُلِئَتْ حَرَساً شَدِيداً وَشُهُباً (٨) وَأَنَّا كُنَّا نَقْعُدُ مِنْها مَقاعِدَ لِلسَّمْعِ فَمَنْ يَسْتَمِعِ الْآنَ يَجِدْ لَهُ شِهاباً رَصَداً (٩) وَأَنَّا لا نَدْرِي أَشَرٌّ أُرِيدَ بِمَنْ فِي الْأَرْضِ أَمْ أَرادَ بِهِمْ رَبُّهُمْ رَشَداً (١٠)) [الجن : ٨ ـ ١٠].
وهذا يا هؤلاء فإنما كان منها ، ونبأ الله به فيما أدى عنها ، بعد أن قالت : (إِنَّا سَمِعْنا) ـ في الأرض ـ (قُرْآناً عَجَباً)(١) [الجن : ١] ، ألا تسمعها تقول بعد : (وَأَنَّا لَمَسْنَا السَّماءَ فَوَجَدْناها مُلِئَتْ حَرَساً شَدِيداً وَشُهُباً) (٨).
وما ابن المقفع بمأمون ، من (١) أن يظن أن الحرس شرطيون ، لما بلونا من جهله باللسان ، وقلة علمه بمخارج القرآن. وإنما الحرس مثل على معنى الحفظ لها ، بما جعل من الرجم دونها ، فازدادت الجن بما وجدت هنالك ، يقينا وإيمانا بذلك. فما ينكر من القذف بالشهب ، وغيره ما فيه من التعجب؟! هل ذلك ممن يقدر عليه ، إلا كغيره مما هو فيه ، وقد زيد به في هذا من من الجن (٢) اهتدى ، وتجنب طرق الضلالة والردى ، وكان فيه منع لتوكيد كذب الشياطين ، ودفع عن الرسول لتصديق أقوال المكذبين ، والله يقول لرسوله ، صلى الله عليه وعلى آله ، في السورة نفسها ، ومع ذكر الشياطين وحرسها ، (قُلْ إِنْ أَدْرِي أَقَرِيبٌ ما تُوعَدُونَ أَمْ يَجْعَلُ لَهُ رَبِّي أَمَداً (٢٥) عالِمُ الْغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ عَلى غَيْبِهِ أَحَداً (٢٦) إِلَّا مَنِ ارْتَضى مِنْ رَسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَداً (٢٧) لِيَعْلَمَ أَنْ قَدْ أَبْلَغُوا رِسالاتِ رَبِّهِمْ وَأَحاطَ بِما لَدَيْهِمْ وَأَحْصى كُلَّ شَيْءٍ عَدَداً (٢٨)) [الجن : ٢٥ ـ ٢٨].
وأما قوله في القتال : وأنزل ملائكته فإذا غلبوا عدوا قال : أنا غلبته ، أو غلب له وليّ، قال : أنا ابتليته.
فما أنكر ويله من أنا غلبته؟! وقد قاتلت معه ملائكته ، وقد قذف بالرعب في قلوبهم ، وبث الرعب في مرعوبهم ، وما ينكر من قتلهم ـ ويله ـ بالملائكة ، وهل ذلك بهم إلا كغيره من كل هلكة ، إلا أن ملائكة الله في ذلك متعبدة مثابة ، وأنه منه جل
__________________
(١) سقط من (ب) و (د) : من.
(٢) في (ب) و (د) : من الجن من اهتدى.