ثناؤه بالملائكة لأعدائه معاقبة ، وأنه لأوليائه عز ونصر ، ولأعدائه ذل وكسر.
فإن قال : ألا قتلهم (١) بما هو أوحى! (٢) واجتاحهم بغير القتل اجتياحا!!
فهذا إن دخل علينا له دخل في الملائكة ، دخل في غيره من كل هلكة ، يقال في كل واحده بعينها ، ألا كان الأمر بغيرها! وكل ما كان به كائن الهلكة ، فهو أمره بالملائكة أو غير الملائكة.
فإن قال : ألا خلق الناس أبرارا! ومنعهم أن يكونوا أشرارا! فمسألة من سأل عن هذا محال ، وليس لأحد علينا في هذا مقال ، لأنه إنما يكون البرّ برّا ، ما فعله فاعله متخيرا ، فأما ما جبر عليه صاحبه جبرا ، فلا يكون منه خيرا ولا شرا.
وفيما قال : أن يكون الانسان إنسانا لا إنسانا ، والاحسان إحسانا لا إحسانا ، لأن الانسان لا يكون إنسان إلا وهو مملّك مختار ، والاحسان لا يكون إحسانا إلا ولم يحمل عليه اضطرار.
وأما قوله (في ظفر أعدائه ، في بعض الحالات على أوليائه) (٣) ، فليس ويله بموجود من قولنا صحيح ، يعلمه كل أعجمي منا أو فصيح ، أن أوليائه لم تغلب إلا بنصره ، ولم تغلب إلا بمخالفتهم أو بعضهم لأمره ، والدليل على ذلك أنه لما أمسك عنهم نصره لما كان من عصيانهم ، كان ذلك هو بعينه سبب خذلانهم ، وأنه من فقد سب ، ما به الغلبة غلب ، وأنه غير مستنكر ذلك من فعال حكيم يملكه ، أن يعصيه (٤) من أعطاه إياه فيمسكه ، فيفقد فيه من نصره ما كان يجد ، ويتغير الأمر به إذا عصى عما كان يعهد ، فمتى نصر الله له وليا فبرحمته ، أو تركه من النصر فبضرب من معصيته ، وهذا من الأمر فلا يزول به عن قدير قدرة ، ولا تفسد معه لحكيم حكمة ، بل الحكمة معه قائمة موجودة ، والأفعال فيه منه عدل محمودة. ألم تسمع حكيم الحكماء ، وأقدر قادري العظماء ، يقول في هذا من نصره وخذله ، وقدرته سبحانه وعدله : (إِنْ
__________________
(١) في (أ) و (ج) : ألّا هو قتلهم.
(٢) أي : أسرع.
(٣) سقط ما بين القوسين من (أ) و (ج).
(٤) في (أ) و (ب) : بملكه أن يعصيه. وفي (أ) و (ج) : أو يعصيه.