يَنْصُرْكُمُ اللهُ فَلا غالِبَ لَكُمْ وَإِنْ يَخْذُلْكُمْ فَمَنْ ذَا الَّذِي يَنْصُرُكُمْ مِنْ بَعْدِهِ وَعَلَى اللهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ (١٦٠)) [آل عمران : ١٦٠].
يخبر عن أنه متى حبس عنهم نصره ، حل مع حبسه خذله ، فمن لم يخذله سبحانه فأولئك هم المنصورون ، ومن خذله فلم ينصره فأولئك هم المبتلون ، فما في هذا مما ينكره عقل ، أو يفسد فيه من الله فعل ، سبحان الله ما أحق في من جهل هذا شبه البهائم! التي مثّلها جل ثناؤه بأهل الجرائم.
وأما قوله : (وَما رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلكِنَّ اللهَ رَمى) [الأنفال : ١٧] ، فهي فيما أرى والله أعلم ، مما قد يجوز في اللسان ويعلم ، أنك لم ترم بالرعب في قلوبهم إذ رميت ، ولكني أنا الذي به في قلوبهم رميت ، وبالرعب الذي قذفه الله في قلوبهم انهزموا ، لا بالرمي بالبطحاء إذ رموا.
ومثل ذلك من الله لا شريك له قوله : (وَأَنْزَلَ الَّذِينَ ظاهَرُوهُمْ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ مِنْ صَياصِيهِمْ وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ فَرِيقاً تَقْتُلُونَ وَتَأْسِرُونَ فَرِيقاً (٢٦) وَأَوْرَثَكُمْ أَرْضَهُمْ وَدِيارَهُمْ وَأَمْوالَهُمْ وَأَرْضاً لَمْ تَطَؤُها وَكانَ اللهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيراً) (٢٧) [الأحزاب : ٢٦ ـ ٢٧]. فما ينكر من القدير على الأشياء ، أن يفعل ما يقدر عليه من الرّماء ، ما ينكر هذا إلا أحمق ، ولا يدفع هذا من الله محق ، فالله على هذا وخلافه يقدر ، وكذلك قدرته في أن يخذل وينصر ، وما صحت في فعله لقادر (١) قدرة ، فغير مستنكر أن تكون له وحده (٢) مفتعلة ، وإلا كان معنى القدرة عليه باطلا ، إذ ليس يرى بها القادر طول الدهر فاعلا.
فإن قال قائل : فما تقولون (٣) هل يقدر الله على أن لا يدخل المتقين الجنان؟! ولا من كفر نعمته (٤) وأنكره وأنكر رسله النيران؟!
__________________
(١) في (د) : لفاعل.
(٢) في جميع المخطوطات (وحدة). وقد قلبتها على الوجوه المحتملة فلم أهتد فيها إلى معنى صحيح ، فلعل الصواب ما أثبت والله أعلم.
(٣) في (ب) و (د) : تقول.
(٤) في (ب) : بنعمته.