عليه في دعواه الهدى نداه ، ثم من قبل حظه فيه جازاه ، ومن أبى عطيته من الخيرات حرمه ، وهو الذي قبّح من كل ظالم ظلمه. فيا ويل من جهل إحسانه ، وركب في الكفر عصيانه ، ما ذا جهل من إحسان كثير لا يحصى؟! ومن عصى (١) إذ إياه عصى ، فمن أولى منه جل ثناؤه بالعبادة والتعظيم ، فيما دعا إليه من الطاعة له والتسليم ، وهو الله الهادي إلى سبيل النجاة ، والمنعم بنعمه التي ليست بمحصاة.
فإن قال قائل : ومن أين تدري أن هذه نعمه؟ وأن محدثها إحسانه وكرمه؟!
فليعلم أن كل ما يرى منها نعم بيّن آثار الإنعام فيها ، بحكم تصحح أثره (٢) العقول عليها ، وأنه لا بد في فطرة العقول ، وما فيها لها (٣) من المعقول ، من أن يكون لهذه النعم مول أولاها ، هو الذي فطرها وأنشأها ، وأنه لا ينبغي أن يكون موليها ، كهي فيما أبان من أثر الصنعة عليها ، وأنه لا يوجد شيء غيرها ، إلا وجدت فيه الصنعة وتأثيرها ، حتى ينتهي ذلك إلى من لا يشبهه مصنوع ، ومن كل الأشياء فمنه بدع مبدوع ، وأنه الله الأول القديم ، الملك القدوس الحكيم.
فإذا صح ذلك عند من يعقل بإشهاده ، علم أن النجاة من الله لا تكون (٤) إلا بإرشاده ، الذي نزل فيما أوحى من كتبه ، ودل على النجاة فيه بسببه ، فالحمد لله ولي النعمة في الأشياء ، والمتولي لنجاة من نجا بهداه (٥) من الأولياء ، الذي ليس له أكفاء فتساويه ، ولا شركاء في الملك فتكافيه ، المتبري من كل دناءة ، (٦) المتعالي عن كل إساءة ، رب الأنوار المتشابهة في أجزائها ، وولي تدبير الظلم وإنشائها ، العلي الأعلى ، ذي الأمثال العلى ، والأسماء الحسنى ، شاهد كل نجوى ، ومنتهى كل شكوى ، والممهل
__________________
(١) في (د) : عصاه.
(٢) في (ب) و (د) : آثار.
(٣) سقط من (ب) : ولها.
(٤) سقط من (ب) : لا تكون.
(٥) سقط من (أ) : بهداه.
(٦) في (أ) و (ج) : ذله. تصحيف.