لم تكن البنية بمحكمة ، ولم ير فيها ما يرى من آثار الحكمة ، وكانت مواتا لا تفعل ، وشيئا من الأشياء لا يعقل ، فليعقل ـ ويله ـ أسباب حكم الله المترافدة ، (١) وليعلم تعالى الله عن بنية أعيان الأشياء المتضادة ، التي لا تقوم بحال في وهم الأصحاء ، ولا توجد بفهم في جهلاء ولا علماء.
وأما قوله لعنه الله : إن ربهم على كرسيه (٢) قاعد ، وإنه تدلى فكان قاب قوسين أو أدنى.
فيال عباد الله من أعطاه ، قاتله الله ما أعظم فراه ، أنه جلس فقعد ، أو تدلى أو صعد ، من حيث ظن ، أو توهم ، وما يبالي ما قال علينا كذبا ، وادعاه (٣) من القول فينا تلعبا ، إن الذي قال من قعد وتدلى وانقلب ، وجزع وافتخر وأنشأ وغلب ، فأكثر فيه من هذا القول علينا كذبا وقرفا (٤) وخلفا ، لشيء ما علمت أن ملّيا (٥) ولا ذمّيا يعقل ما قال منه قط حرفا ، وبلى ، ولعله وعسى ، أن يكون ظن قوله : (اسْتَوى) [البقرة : ٢٩] ، فلا لم يعن الله بها ما عنى ، وما لله سبحانه من ذلك ، (٦) لو عنى به ما ظن هنالك ، من المدح المعظم ، والتعظيم المكرّم.
أما علم إنما يراد بالاستواء ، الاجلال لله والاعلاء بملكه لما فوق السموات العلى ، وأنّ استواءه على ذلك كاستوائه على الأرض السفلى ، وأن استوى في هذا كلمة من الكلام ، جائز معناها بين الخواص والعوام ، تقول العرب إذا ظفرت بأحد ، وغلبت على بلد : لقد صرت إليها ، واستويت عليها ، تريد غلب سلطاني فيها ، فهذا وجه قوله جل ثناؤه : (اسْتَوى). لا ما يذهب إليه فيه من العمى.
وأما ما جهل من قول الله تبارك وتعالى : (وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ
__________________
(١) في (ب) : المترافية. وفي (د) : المترادفة. كلاهما مصحفتان.
(٢) في (أ) : كرسي.
(٣) في (ب) و (د) : أو ادعاه.
(٤) القرف : البغي. والخلف الطالح الرديء.
(٥) يعني : من أهل الملة.
(٦) سقط من (أ) و (ج) : من ذلك.