البريات.
فإن قال قائل : أفيكون ، مكان غير مسكون؟! قيل : نعم سقف ما تناهى من بناء السماوات العلى ، لأنه لا يكون سفل أبدا إلا بأعلى ، فأما أن العرش هو السقف فموجود في اللسان ، كثير ما يتكلم به بين العرب والعجمان.
وقد يمكن أن يكون معنى : «الذين يحملونه» ، إنما يراد به الذين يلونه ، إذ ليس بينهم وبينه شيء ، فتعالى الملك العلي.
وقد تقول العرب في المنزل تنزله ، أو في الأمر تحمله : إنه ليحملنا إذا كان عليهم واسعا ، وبمرافقه لهم ممتّعا ، وليس يريدون حمله لهم بيد ولا عنق ، أفما في اختلاف هذا ما وقّف عن تشبيه الخالق بالخلق؟!!
فأما الخداع والمكر والكيد ، لمن كان يمكر ويخدع ويكيد ، فقد نقوله عنه ، ونصفه سبحانه منه ، لأنه خير الماكرين ، وذو الكيد المتين ، وخادع من خادعه من الكافرين ، وكل ذلك منه فليس كفعال الخاسرين. والمكر والخدع والكيد ، فإنما هو إخفاء ما يريد من ذلك المريد ، وما عند الله مما يريد بأعدائه ، فأخفى (١) ما يحتال في إخفائه.
وأما حربه (٢) فإنما هو حرب أوليائه عن أمره ، هذا وجه ما ذكر سبحانه من حربه وكيده ومكره ، الصحيح معناه ، لا ما شدّ به ابن المقفع جهله وكفره وعماه.
وأما ما سمعه من الله سبحانه إذ يقول : (قَدْ مَكَرَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَأَتَى اللهُ بُنْيانَهُمْ مِنَ الْقَواعِدِ فَخَرَّ عَلَيْهِمُ السَّقْفُ مِنْ فَوْقِهِمْ وَأَتاهُمُ الْعَذابُ مِنْ حَيْثُ لا يَشْعُرُونَ (٢٦)) [النحل : ٢٦]. أفترى أن أحدا يعقل أو لا يعقل يتوهم أن هنالك سقف بناء مسقوف ، أو أنّ (فَخَرَّ عَلَيْهِمُ). إنما هو تمثيل (٣) ما يعرف من سقوط السقوف ، (٤) ما يتوهم هذا أحد ، ولا يضل فيه من ذي لب قصد ، وهو أيضا
__________________
(١) في جميع المخطوطات : فإخفاء.
(٢) في (أ) و (ج) : حزبه. مصحفة.
(٣) في (أ) و (ج) و (د) : بمثل.
(٤) في جميع المخطوطات : السقف. وما أثبت اجتهاد مني. فهو بأسلوب الإمام أشبه.