وتوجّهه من تنزيل الله في كتابه ، بهذه الوجوه كلها في فهمه وإعرابه ، يدل على غير ما توهم فيما (١) ذكر كله ، إلا أن يأبى ذلك مكابرة لعقله.
وقوله في الكيد استدرجهم سبحانه من حيث لا يعلمون (٢) ، وقوله في المنافقين : (يُخادِعُونَ اللهَ وَهُوَ خادِعُهُمْ) [النساء : ١٤٢]. وقوله سبحانه في الاستهزاء : (اللهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيانِهِمْ يَعْمَهُونَ (١٥)) [البقرة : ١٥] ، فإنما يريد تركه لهم وتأخيره إياهم وهم عاصون ، لا ما ظنه ابن المقفع بالله كذبا ، ولا استهزاء يكون من الله لعبا ، كقول قوم موسى إذ قال لهم ، صلىاللهعليهوسلم : (إِنَّ اللهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً قالُوا أَتَتَّخِذُنا هُزُواً قالَ أَعُوذُ بِاللهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجاهِلِينَ (٦٧)) [البقرة : ٦٧]. فهذا الاستهزاء إذا كان كذبا ، وقول الخادع فإذا كان لعبا ، فإلى المخلوق يضاف وينسب ، لا أنه هو الذي يلهو ويلعب ، فهذا وجه الاستهزاء منه والخداع والمكر ، لا ما يذهب إليه كل عميّ ضيق العلم والصدر. وإذا قيل له سبحانه يرضى أو يحب ، أو يأسف أو يسخط أو يغضب ، فإنما ذلك إخبار عن أقدار الطاعة والعصيان ، وجزاء الإساءة عنده والاحسان ، لا يتوهم مع ذلك ضمير مسكون ، ولا حركة منه في رضى ولا سخط ولا سكون ، وكيف يكون عندنا غير هذا وهو عندنا ـ ويله ـ (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ) [الشورى : ١١]. (الْخالِقُ الْبارِئُ الْمُصَوِّرُ لَهُ الْأَسْماءُ الْحُسْنى يُسَبِّحُ لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) (٢٤) [الحشر : ٢٤].
وأما قوله : فما باله جزع في غير كنهه من عمل يديه.
فهي (٣) أخوات قوله : انقلب وافتخر وانشأ التي لا تخرج إلا من بين جنبيه ، ومتى زعم ـ ويله ـ أنا أخبرناه أنه جزع ، أو سخط أو كره أو عاب شيئا مما صنع؟!
وأما قوله: ابتدع الأشياء مما كان هاذيا فيه.
__________________
(١) في (ب) و (د) : مما.
(٢) إشارة إلى قوله تعالى : (سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لا يَعْلَمُونَ) [القلم / ٤٤].
(٣) في (أ) : فهو. وفي (ج) : فهو. إلا أنه وضع الواو على شكل ياء ونقطها من تحت.