وهذا من قوله في الأشياء ، فقول فاسد ليس يقرأ ، (١) إلا أنا أدّيناه عنه لحفظه ، وكرهنا تبديله إذ حكيناه عن لفظه.
ثم قال عذبه الله ، وأدام (٢) العذاب عليه : وتجاوز رضاه إلى سخطه ، ومحابّه إلى مكارهه ، والخير لعباده إلى الشر لهم ، والرحمة لهم إلى العذاب عليهم ، ثم افتخر ـ زعم ـ وامتدح بأنه غلبهم وقهرهم وإنما هم لا شيء ومن لا شيء.
افهموا قوله : وإنما هم لا شيء. فكيف ـ ويله ـ يكون هم لا هم ، وشيء لا شيء ، متى يبلغ مثل هذا هذيان المجانين؟ ولا جنون أقوال الهاذين.
فأما قوله : إذا (٣) غلبهم افتخر وامتدح.
فهما من أخوات انقلب ، وهو فيهما يلعب كما كان يلعب.
ثم عمد إلى سر أسرار الفرقان ، وأعجب عجيب (٤) سر القرآن ، من الرائيات والحواميم ، وما ذكر فيه من (ق) و (آلم) و (طسم) ، فعدّ علمها جهلا ، وظن مصون عجيبها مبتذلا ، وأراد ـ ويله ـ علم سر أنبائها ، وما طواه الله إلا عن الأصفياء في إيحائها. وكلا لم يجعله لعلمها أهلا ، ولم يجعل قلبه العميّ لها محلا ، بل أخفاه الله وزمّله (٥) ، ولم يعطه إلا أهله ، فإن كان علمه يصيّر المعلوم مجهولا ، فقد يوجد كثير مما هو عنده علم مجهولا ، وليس من جهل لذي فضل فضيلته ، ولا من رأى أمرا فلم يدر علته ، يسلب ذا فضل فضله ، ولا يزيل عن ذي علل علله ، وقد يرى ـ ويله ـ هو آلات الصناعات ، وأشياء كثيرة من أنحاء الأمتعات ، فلا يدري لم ذلك وأهله به دارون ، ولا يشعر بما فيه من المنافع وهم يشعرون.
فأين ـ ويله ـ كان من إحضار هذا وهمه ، أولا ـ ويله ـ حكم بما رأى من هذا وأشباهه حكمه ، ولكنه يأبى إلا تحكيم العمى ، والاعتداء والمكابرة في العلم للعلماء ،
__________________
(١) في (ب) : يعزي. وفي (د) : يعرى. مصحفتان.
(٢) في (ب) : فأدام.
(٣) في (ب) و (د) : إذ.
(٤) في (ب) و (د) : عجائب.
(٥) التزميل : الإخفاء واللف.