وإلا فلم لم يفكر ، إن كان ذا فطنة وينظر ، إن كان من أهل النظر فيما يستدل به أهل الكتاب والعرب ، من هذه الأحرف على ضمائر كل مغيّب ، فكانت هي الدليل لهم على الكتاب ، والسبب لعلمه دون جميع الأسباب. أفما رأى ـ ويله ـ سر عجائبها ، فيما تنبئ عن محجوب غيبها ، من سرائر قلوب المتكاتبين (١) بها ، ويدور من الأنباء في التعبد بسببها ، اكتفاء منهم في أنباء الأمور ، من كل مشاهدة بين المخبرين أو حضور ، فهذا وأشباهه فليس لمثله فيه مدخل تعنيف ، ولا يشتغل منه ولا من مثله فيه بمنازعة في تحريف ، مع أن لهذه الوجوه في التأويل ، (٢) ما لو سقط عنا علمها في التنزيل ، لكان علينا أن نعلم أن لها مخارج عند الحكيم ، ووجوها صحاحا في علم التعليم.
ولو كان جهلنا بها يزيل صحتها ، أو يبطل عن الحكيم حكمتها ، لما ثبتت للحكماء حكمة ، ولا في علم العلماء معلمة ، إذ توجد العامة لا تعلم (٣) علمها ، ولا تعرف للحكماء حكمها ، (٤) ولو لم يثبت العلم لعالمه ، ولا حكم الحكمة لحاكمه ، إلا بأن يعلم غيره منه ما علم ، أو يحكم في الأمور كما حكم ، لما كان في الأرض من أهلها جاهل ، ولما وجدت بين الناس في العلم فضائل! وما ـ ويله ـ في جهله لحكمة الكتاب ، وما جعل الله فيه من عجائب الأسباب ، مما يلحق بالله جهلا ، أو يزيل عن كتابه فضلا ، ما له لعنه الله تأبى؟! به عماياته إلا تبابا؟! (٥) ، لقد كابر من فرّق ما بين الجهلاء (٦) والعلماء ، ما لا يكابره ذو العمى ، يقينا منها به وعلما ، ومرمى منها إلى غير ما رمى.
والتبيان في هذا بيننا وبينه ، وما ينبغي أن يشتغل به منه ، فإنما هو في تثبيت الصانع
__________________
(١) في (ب) و (د) : المتكابنين. مصحفة.
(٢) في جميع المخطوطات : التفاسير. وما أثبت اجتهاد مني. وأكاد أجزم بصحة ما أثبت ، لأنه الأشبه بكلام الإمام.
(٣) في (د) : لا توجد.
(٤) في جميع المخطوطات : حكمتها. وما أثبت اجتهاد مني ، والله أعلم بالصواب.
(٥) التّب : النقص والخسار والهلكة.
(٦) في (أ) و (ج) : ما بين العلماء والجهلاء.