ورسوله ، لا فيما أنكر وفنّن فيه من هذيان قيله ، فإذا ثبتت الحجة فيهما ، وأقمنا دليل الحق عليهما ، علم بعد إقامة الدليل ، أن الحكمة ثابتة موجودة في التنزيل ، جهل ذلك أو علم ، أو توهّم فيه أو لم يتوهم. فدليل معرفة الله الذي لا يكابر ، وشاهد العلم بالله الذي لا يناكر ، ما أرى وأوضح مما تراه (١) أعين الناظرين ، وتحيط بالتحديد فيه أفكار المفكرين ، من الأشياء كلها في تأثير مؤثّرها ، وتصوير صور مصوّرها ، وتناهي أقطار موجودها ، وظاهر افتطار محدودها ، وما ذكره منها ذاكر ووصفه واصف ، أو تصرف بوصفه من الواصفين لها متصرف.
ففيه لمن نظر وأنصف ، وعدل في النظر فلم يحف ، (٢) دليل على حدوث الأشياء مبين ، وشاهد ثابت ـ لا يدفع ـ مكين ، إذ الأشياء كلها محدود ، والآثار في قائمها موجودة ، ومعلوم بأن التحديد إذا وجد لا يكون إلا من محدّد غير محدود ، ولا أثر إذا عوين (٣) إلا من مؤثّر موجود ، ولا تصوير مصوّر إلا من مصوّر ، ولا فطرة مفطور إلا من مفتطر ، كما لا يكون كتاب وجد إلا من كاتب ، ولا تركيب إذا كان إلا من مركّب ، ولا فعل ما كان إلا لفاعل ، ولا مقال قيل إلا من قائل ، فالله تعالى مؤثّر كل مؤثّر ، والفاطر جل ثناؤه لكل مفتطر ، لا ينكره إلا مناكر ، ولا يأبى الاقرار به إلا مكابر ، والمناكر فغير منكر ، والمكابر (٤) فغير مستنكر.
فلمن أنهج إلى معرفته السبيل ، وأوضح بمنته الدليل ، الشكر على إبانة التعريف ، ووضوح (٥) دلالة التأليف ، التي لا يضل عنها إلا متضالل ، ولا يجهل معلومها إلا متجاهل ، ولا يبور (٦) على الله فيها إلا خاسر ، ولا يجور عن قصدها إليه إلا جائر.
وإذا ثبت تأثير الأشياء كما قلنا ، واستدل امرؤ عليه من حيث استدللنا ، فمعلوم
__________________
(١) الفاعل في أرى وأوضح ضمير مستتر تقديره هو عائد على الله. وفي (أ) و (ج) : تراعيه. وفي (ب) و (د): ترى عنه. ويبدو أنهما مصحفتان. ولعل الصواب ما أثبت.
(٢) الحيف : الميل.
(٣) في (ب) و (د) : إذا عرف.
(٤) في (ب) و (د) : ومن كابر.
(٥) في (ب) و (د) : وأوضح.
(٦) في (أ) و (ج) : ينور. وفي (ب) و (د) : مهملة بغير إعجام. والبوار : الهلاك والكاد.