وكذلك قال في تكثير الظّلمة ، وما نسب إليها من الشر وخلاف الحكمة ، ثم جعل كثيرها واحدا ، وزعم أنه لا يكون منها خير أبدا.
أفليس يا هؤلاء الليل الأدهم ، وسواده الذي هو من كل ظلمة أظلم ، موجودا فيه ما ذكر الله فيه من السكون؟! بأوجد معارف ما يعرف من كل كون؟! والسكون راحة ، والراحة فسحة ، والفسحة خير كثير ، فالظلمة الآن عندهم خير. يقول الله تبارك وتعالى : (هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَالنَّهارَ مُبْصِراً إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ (٦٧)) [يونس : ٦٧]. وقال الله : (أَرَأَيْتُمْ إِنْ جَعَلَ اللهُ عَلَيْكُمُ النَّهارَ سَرْمَداً إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ مَنْ إِلهٌ غَيْرُ اللهِ يَأْتِيكُمْ بِلَيْلٍ تَسْكُنُونَ فِيهِ أَفَلا تُبْصِرُونَ (٧٢)) [القصص : ٧٢].
وهل ينكر أن نور الشمس ، يدرك ذلك منها بالحس ، معشاة (١) لبعض العيون ، ومضار في كثير من الفنون ، وهو أفضل النور عندهم فضلا ، وأكثره في النور محصلا؟! أو ليس قليل النهار (٢) مقصرا في النور عن كثيره؟! والتقصير (٣) شر فالشّرّ في بعض النهار بتقصيره؟! فأي محال أوضح! أو مقال إحالة أقبح؟ من هذا مقالا! ومن محاله محالا! ليس بالأمر من خفاء ، ولا على عورة أهله من غطاء. إلا أن عجمة القلوب ، وما فيها من عمه الذنوب ، تجول بأهلها كل مجال ، وتهلك (٤) بمحالها ضعفة الرجال.
ومما قال من هماهم صدره ، وزمازم هتره (٥) : إن الشيطان ـ زعم ـ قد بنى على كل صنف من أهل الأديان حائطا حصينا ، وسورا شديدا ، حصرهم ـ زعم ـ فيه ،
__________________
(١) معشاة : معماة.
(٢) في (أ) : البهاء. مصحفة.
(٣) في (ب) و (د) : وبالتقصير.
(٤) في (أ) : ويهلك محالها.
(٥) الهماهم : جمع همهمة ، وهي الكلام الخفي ، وتردد الزئير في الصدر من الهم والحزن. والزمازم : جمع زمزمة ، وهي : كلام المجوس عند أكلهم ، وهي صوت خفي لا يكاد يفهم. وتراطن العلوج عند الأكل ، وهم صموت لا يستعملون اللسان ولا الشفة في كلامهم ، لكنه صوت تديره في خياشيمها وحلوقها ، فيفهم بعضها عن بعض. والهتر : الكذب ، والأمر العجب ، والسقط من الكلام ، والخطأ فيه. لسان العرب. مادة هم ، وزم ، وهتر.