ووكّل بهم شيطانا من شياطينه وجعله عليه ، فإن كان الوكيل حفظ السور فهذا أمانة ، وإن لم يحفظه وكانت منه لموكله فيه خيانة ، كان السور كما لم يكن ، ولم يبق فيه أحد ممّن سجن.
فاعجبوا أيها السامعون ، لما تسمعون ، من متناقض هذا القول ، الذي لا يقول مثله إلا كل منقوص مرذول. فافهموا ما به وصف شيطانه ، وكيف شدّد أركانه ، إذ جعل له أسوارا وحصونا ، وجعل نوره عنده مسجونا ، وذو السجن والحصون محتال ، والحيلة فلا يعرفها عنده الجهال ، لأن المعرفة عنده خير سار ، والجهالة شرّ ضار.
وقال : حصرهم. والحاصر فقوي والقوة فخير فقد عادت الظّلمة عندهم خيرا ، والمحصور فعاجز والعجز فشر فقد عاد النور عنده شرا.
ومما يقال لهم فيما زعموا من المزاج ، وجاروا به من ذلك عن كل منهاج ، سلكه سالك ، أو فتك فيه فاتك (١) : من أين يا هؤلاء جاء تعادي الممتزجين من المتضادة؟! (٢) بعد أن صارا جميعا في عقدة من المزاج واحدة ، كنحو معاداة إنسان لإنسان ، أو ضرب آخر سواه من موات أو حيوان ، وكيف يكون من الناس ـ ما كانوا صلحاء ـ نسل غير صالح؟! ومن طالحهم (٣) ـ شيئا كانوا أو أشياء ـ شيء (٤) ليس بطالح ، ولا يرى صلاح أبيهم أصلحهم ، ولا ما في أبيهم من الطلاح أطلحهم ، ولا يكون منهما وهما اثنان ، ولما هو منهما أصلان ، إلا أنثى واحدة أو ذكر ، لا يوجد لهما سواه بشر ، فما بال فرعهما من ولدهما ، إذا لا يكون كأحدهما؟ إما أنثى مفردا ، أو ذكرا أبدا ، فلو كان الأمر على ما يزعمون ، أو في شيء من طريق ما يتوهمون ، كان ولدهما ذكرا أنثى ، وأنثى ذكرا ، إذ كان عندهم إنما يكون كل شيء من مثله ، وكل (٥) فرع شيء ـ زعموا كأصله ، والوالدان لولدهما أصل ، وكل شيء فإنما يكون منه ما هو له مثل ،
__________________
(١) الفتك : ركوب ما همّ من الأمور ، ودعت إليه النفس ، وانتهاز الفرصة.
(٢) في (ب) و (ج) : التضاد.
(٣) في (ب) و (د) : صالحهم.
(٤) سقط من (أ) و (ج) و (د) : شيء.
(٥) في (ب) و (ج) و (د) : أو كل.