ولا يجري عليه بعضها ، فالذي يجري عليه منها ، هو ما قال الله في كتابه : (* اللهُ نُورُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) [النور : ٣٢].
يعني : الله ينير لعباده (١) دلائله التي يهتدون إليه بها ، لأن يعرفوه بما أبان ، ويعلمون أنه الحق بآياته المنيرة ، وأن يميزوا بها بين الخالق وخلقه ، والله نور الأنوار ، وهو منير لما (٢) نوّر من دلائله ، فهو نورها لأنه أضاء لنا (٣) الأشياء وأبانها ، وجلا عنها ظلمة الشبهة ، فأزال عنها الشكوك والريب ، بتجليتها للعقول ، أنه الحق المبين ، وأنه نور كل شيء ، وليس كمثله شيء. وكذلك (٤) أمرنا أن نصفه ، وبذلك دلنا على نفسه ، من غير أن نجاهر الله فتدركه الأبصار ، فاستنار لنا بتدبيره ، من غير مشاهدة منّا له ، ولا إحاطة به ، ولا إدراك من حواسنا له ، فهو نور السماوات والأرض ، ونور من فيهما ، بمعنى : (٥) الذي ذكرنا أن الحق من عنده ، وأن العباد به استناروا ، وبه استضاءوا ، وبه أبصروا ، إذ استضاء لهم سبحانه بنوره الذي عاينوا من خلق أنفسهم ، وتدبيره في ملكوت السماوات والأرض.
ومن لطائف الآيات التي لا يكون معها ريب ، ولا تدانيها الشكوك ، ولا تعتريها الفترات (٦) ، ولا تكون معها الغفلات ، فرأوا ربّهم بتدبيره ونوره وعلاماته ، لا بمجاهرة منهم له ، ولا بالمشاهدة والملاقاة ، تقدس الله عن ذلك ، وجل جلالا عظيما. وكذلك الله نور السماوات والأرض ومن فيها ، لأن عباده الذين هم سكان أرضه ، استناروا وعلموه بما عاينوه من نوره ، إذ دبّر الأرض ، وخلق فيها ما به أنار لهم ، إنه الله سبحانه ،
__________________
(١) أخرج ابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، والبيهقي في الأسماء والصفات من طريق علي ، [كذا في الدر المنثور. ولعله يقصد عليا آخر غير الإمام علي عليهالسلام] عن ابن عباس : (اللهُ نُورُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) ، قال : هادي أهل السماوات وأهل الأرض ، الدر المنثور ٦ / ١٩٧.
(٢) في (أ) و (ج) : بما نوره. وفي (د) : بمانور.
(٣) في (ب) : له.
(٤) في (ب) و (د) : كذلك.
(٥) في (أ) و (ج) : لمعنى.
(٦) الفترة : الانكسار والضعف.