فاستنار نوره بغير تحديد ، وعرفوه من غير تخيّل ، ووحدوه معروفا بغير (١) تشبيه ، بل عرفوا الله بعجيب آياته ، وبأثر دلالاته.
ومعنى آخر في تأويل قوله نور (٢) ، قد علّم العالمين ، أن الأشياء تدرك بحقائقها ، وتعلم بالاستيقان وإن كانت غائبة. (٣) فالله يعلم ويعرف ويميز (٤) بين ما يدرك بالمجاهرة ، وبين ما لا يدرك بها ، كالخشونة واللين ، والحمرة والبياض ، وما لا يدرك بالمجاهرة ، بالسمع والبصر والعقل [ك] الرّي (٥) والظمأ ، والشبع والسغب (٦) ، وما أشبه ذلك مما غيّب عن حواسنا ، وإن كنا قد أدركناه ، لعلمنا بما صرّفنا منه ربنا ، فيما أخبرنا عما غاب عنا من ملكوته.
واعلموا أن الله سبحانه وصف الآية التي هي نور ، مخبرا لعباده أن الله سبحانه لم يرد نفسه بقوله : (كَمِشْكاةٍ فِيها مِصْباحٌ) [النور : ٣٥]. ولم يمثل بالقنديل نفسه ، ولا بالمصباح تعالى عن ذلك ، وأي فضل في القنديل ، ليس في النجم الذي هو الزهرة ، فكيف يمثل نفسه بالقنديل ، ويترك ما هو أنور من القنديل وأحسن ، بل أي فضل (٧) في القنديل ليس في درّ الجنان! كيف (٨) يمثل نفسه بالقنديل؟! وهو يتعالى عن الزهرة ودرّ الجنان!
بل كيف يضرب الله لنفسه أمثالا مفضولة (٩) دون الفاضلة ، تعالى عن التمثيل والأشباه ، وتقدس عن ذلك. لكن الله سبحانه نور السماوات والأرض بما أبان لهم عن نفسه ، بخلقه لهم ، وبما له فيهم من التدبير ، الدال عليه ، فاستضاء عباده به إذ أضاء لهم
__________________
(١) في (أ) : من غير.
(٢) في (أ) و (ج) : من تأويل. وفي (ب) و (د) : نورا.
(٣) سقط من (ب) : وإن كانت غائبة.
(٤) في (أ) و (ب) و (د) : ويميز ما بين.
(٥) في جميع المخطوطات : والرأي ، وما أثبت اجتهاد مني.
(٦) السغب : الجوع.
(٧) في (ب) و (د) : فضل أحسن في.
(٨) سقط من (ب) : كيف.
(٩) في (ب) : مثلا مفضولا.