نفسه بخلقه لهم ، فلم يضل في مضلات الشبهة ، من استضاء بربه ، واستنار به ، فبانت الأعلام الهادية ، لمن استبان بها عن ربها ، فبان الله بها لمن استنار بها ، وكان الله نوره إذ اهتدى به ، وأحيا لنا القلوب بعد موتها بنوره ، إذ أنار لها فاهتدينا بها (١) إليه.
ومعنى آخر من معاني النور ، وهو مما لا يجوز على الله ، وهو ما ذكرنا من معنى الشمس الساترة ، وشعاعها المنبسط الذي ليس بساتر. ومعنى من معاني النور ، وهي النيران الكثيفة ، وهي في معاني قرص الشمس والقمر (٢). ومعنى من معاني النور ، وهو الإيمان (٣) ، لأن الإيمان نور ، وكذلك القرآن نور ، وقد سمى الله القمر نورا والشمس سراجا ، والإيمان نورا ، وقال : (لِيُخْرِجَكُمْ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ) [الأحزاب : ٤٣ ، الحديد : ٩].
فهذه المعاني من الأنوار التي ذكرنا مميزة للعقول ، إذا ما نظروا إليها بها ، فأجروا على الله منها ما يجوز عليه ، وما جرى على العباد منها ، فعنه عزوجل نزهوا الله ولم ينسبوه (٤) إليه.
وأما تأويل : (مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكاةٍ) [النور : ٣٢] فقد يجوز أن يكون عنى بذلك القرآن (٥) في غياهب (٦) الوساوس نيّرا مضيئا ، وبه يبطل كيد إبليس اللعين ،
__________________
(١) في (ب) و (د) : به.
(٢) أخرج ابن جرير عن ابن عباس في قوله : (اللهُ نُورُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) يدبر الأمر فيهما نجومها وشمسها وقمرها. الدر المنثور ٦ / ١٩٦.
(٣) في (ب) و (د) : هو.
وأخرج عبد بن حميد ، وابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، وابن مردويه ، والحاكم ، وصححه عن أبي بن كعب : (اللهُ نُورُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ ، مَثَلُ نُورِهِ). قال : هو المؤمن الذي جعل الإيمان والقرآن في صدره فيضرب الله مثله. الدر المنثور ٦ / ١٩٧.
(٤) في (ب) و (د) : ينسبا.
(٥) سقط من (ب) : عنى.
وأخرج عبد بن حميد ، وابن جرير ، عن الحسن رضي الله عنه (اللهُ نُورُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ). قال : مثل هذا القرآن في القلب (كَمِشْكاةٍ). قال الكوة. الدر المنثور ٦ / ١٩٩.
(٦) الغيهب جمع غيهب وهو : الظلمة.