وتوهيمه وخدعه ، فالقرآن في هذه الأماكن الموحشة ، كالمشكاة التي هي الكوة والمصباح في القنديل ينير (١) لما حوله ، ويضيء لمن دنا منه (٢).
وقد يجوز أن يكون الله عنى بقوله مثل نور النبي (٣) صلى الله عليه كهذا المعنى (٤) الذي وصفنا به القرآن ، والمعنى : أن النبي صلى الله عليه أضاء لنفسه بنبوته ورسالة ربه ، وأضاء لمن دنا منه أو سمع به في الأخبار.
وقد يتجه أن يكون الله أراد به قلب المؤمن أيضا ، والإيمان الذي فيه ، فمثل قلب المؤمن وكون الإيمان فيه (٥) مثل القنديل في المشكاة ، فالإيمان يضيء للمؤمن عن كل ظلمة ، كما أن القنديل يضيء في الكوة ، وتضمحل به الغياهب المدلهمات (٦) من الريب ، والإيمان يتوقد ويضيء بالحكمة توقدا يظهر شعاع الحكمة ، ونورها في كلامه وفعاله ، وعلى جوارحه ، وهو بعلمه بربه (٧) علمه له نور على نور.
واعلم أنه قد يجوز أن يكون معنى قوله : (نُورٌ عَلى نُورٍ) [النور : ٣٥]. أي : نور مع نور ، لأن كلامه نور مع عمله (٨) ، وعمله مع علمه ، فهذا نور على نور ، أي مع نور. (يَهْدِي اللهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشاءُ) [النور : ٣٥]. لا من يشاء غيره يهدي ، ولو كانت البرية كلها لمن لا يريد هدايته ظهيرا لما اهتدى المرء أدنى الهداية ، إلا أن يشاء الله.
__________________
(١) في (ب) و (د) : نير.
(٢) في (ب) : به.
(٣) أخرج عبد بن حميد ، وابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، وابن مردويه ، عن شمر بن عطية ، قال : جاء ابن عباس رضي الله عنهما إلى كعب الأحبار فقال : حدثني عن قول الله (اللهُ نُورُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ). قال : مثل نور محمد صلىاللهعليهوسلم. الدر المنثور ٦ / ١٩٨.
(٤) في (ج) : كالمعنى. وفي (ب) و (ج) و (د) : كهذا كالمعنى. وأشار في (أ) : بنسخة أخرى ، بما أثبتناه.
(٥) سقط من (ب) و (د) : فيه.
(٦) المدلهمات : المظلمات.
(٧) في (ب) و (د) : يريد (مصحفة).
(٨) أخرج ابن جرير ، وابن أبي حاتم ، وابن مردويه ، عن ابن عباس رضي الله عنهما ، في حديث قال في آخره : (نُورٌ عَلى نُورٍ). يعني : بذلك إيمان العبد وعمله. الدر المنثور ٦ / ١٩٨.