أحدها : أن يلاقي الشيء جهرا ، ويحيط به بالعيان بإدراك وتحديد ، فيقال نظر إليه ، وعوين وأدرك وأبصر وجوهر.
ومعنى آخر : من معاني النظر لا بالعيان من بصر البصر ، ولكن ينظر إليه بأفعاله ، ومن ذلك قول العرب : انظر إلى شرائع الدين ما أحسنها ، انظر إلى كلام عبد الله ما أفصحه وأبينه ، انظر إلى ما صنع الله بعباده ، وانظر إلى الذين جابوا الصخر بالواد ما ذا صاروا إليه ، فتجيب العقول له قد (١) نظرت إلى ذلك كله ورأيته ، لا بعيان البصر.
ويقال : إنه قد نظر في لغة العرب وما ينظر فلان إلا إلى الله ، ثم إلى محمد ، ويقول: ما ينظر إلا إلى عبد الله ، وعبد الله (٢) غائب. ومن ذلك النظر إلى الشيء بأفعاله وآياته لا بروحه وشخصه ، وتقول : رأيت نفس زيد حين خرجت لا تريد بذلك نظر العين للروح ، ويقال : رأيت عقل زيد صحيحا ، ونظرت إلى عقله ، فرأيت عقلا حسنا.
والعقل روحاني لا يرى بالعيون ، لأنه ليس بشبح (٣) ولا لون ولا جسم ، ويقال : أحسنت النظر وأسأت النظر.
ومن ذلك قول الشاعر :
لا يزال وإن كانت له سعة |
|
إلى الذي راه لم يظفر به نظر (٤) |
ولذلك تقول : رأيت حلم زيد وعقل عبد الله ، وإنما رأيت الحلم والعقل بأفعال لهما ، مع أشياء كثيرة ، مما يجوز في اللغة ، كقولك انظر إلى شدة غضبه ، وانظر إلى شدة فرحه ، وانظر إلى عمه وعداوته ، وهذه كلها روحانيات خفيات لا تدرك بأنفسها وقد تدرك بأفعالها ، ويقال : رأينا غضبه ورضاه وما أشبه ذلك.
وقال الله : قال تعالى : (أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعادٍ) (٦) [الفجر : ٦] ، والذي قيل له : ألم تر هو النبي صلى الله عليه ، وإنما النبي بعد قرون قبلها عاد ، فرأى كيف فعل
__________________
(١) في (ب) : فقد.
(٢) سقط من (ب) : وعبد الله.
(٣) الشبح : الشخص.
(٤) لم أقف على هذا البيت ولا قائله.