ربه سبحانه بعاد (١) ، ولم ير ذلك بعيان جهرة. وقال : قال تعالى : (أَلَمْ تَرَ إِلى رَبِّكَ كَيْفَ مَدَّ الظِّلَ) [الفرقان : ٤٥]. وقال إبراهيم الخليل صلى الله عليه : قال تعالى : (رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتى) [البقرة : ٢٦٠]. وقد رأى كيف أحياه الله من نطفة ، ولكنه أراد أن يريه الله كيف يحيي الموتى من وجه من الوجوه ، الذي عاين من إحياء الله سبحانه الأجسام الميتة من النطف وغير النطف.
وكذلك سأل موسى صلى الله عليه ربه فقال : (رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ) [الأعراف : ١٤٣]. ومعناه ومعنى الخليل صلى الله عليهما في نفس النظر سواء ، لأنهما أرادا أن يعاينا بأبصارهما من معالم الله وآياته ما لم يزل الله يملك من العالم والآيات ، إلا أن موسى صلى الله عليه عاص فيما سأل من قبل أنه (٢) سأل الله آية ليست من آيات الدنيا ، ولم يكن له أن يسأل تلك الآية. وسأل إبراهيم ربه آية من آيات الدنيا ، فلذلك لم يكن في سؤال الله عاصيا ، وإبراهيم وموسى في سؤالهما وقولهما لم (٣) يسألا ربهما أن يرياه جهرة لمعنى ما يرى البشر البشر ، لأن ذلك شرك ، ولم يكن إبراهيم وموسى صلى الله عليهما بمشركين ، والله لا تدركه الأبصار ، وقد علما (٤) ذلك ، وكان موسى أعلم بالله من أن يسأل ربه أن يعاينه جهرة ، بل أراد : أن ينظر إليه بآية يحدثها له فيراه ، ليست من آيات الدنيا ، ثم يكون له آية مرتجحة لا يحتملها الناس لو شاهدوها في الدنيا ، إلا أن يزاد في قوى حواسهم.
فقيل لموسى : إن بنيتك لا تحتمل ما سألت ، واعرف ذلك بهذا الجبل فإنه أعظم منك خلقا ، وأشد منك قوة ، وأشمخ منك طولا وعرضا ، انظر إليه كيف يعجز عن إدراك ما سألت مثله (٥) ، ولم يكن الجبل بذي عقل ، والله تبارك وتعالى لا يتجلى إلا
__________________
(١) سقط من (أ) و (ج) : فرأى كيف فعل ربه سبحانه بعاد.
(٢) في (ب) : أن يسأل.
(٣) سقط من (ب) : لم.
(٤) في (ب) و (د) : علمنا. مصحفة.
(٥) أخرج عبد بن حميد عن مجاهد ، قال : لن تراني ولكن انظر إلى الجبل ، فإنه أكبر منه وأشد خلقا ، قال : (فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ) فنظر إلى الجبل لا يتمالك ، وأقبل الجبل يندك على أوله ، فلما رأى موسى ما ـ