بالتجلي الذي به يدرك ، ولن يدرك من ربنا إلا جلالته وآياته وتدبيره وصرفه ، فبذلك يتجلى الله ، وذلك بأنه (١) سبحانه ليس بشخص. أحدث في الجبل عقلا يدرك به ما يتجلى له ، فإن (٢) الله تبارك وتعالى أحدث آية فتجلى الله للجبل وجعلها آية سماوية ولم تكن أرضية. وقال بعض العلماء (٣) أبرز بعض العرش للجبل ، رواه يوسف بن الأسباط (٤) ، عن الثوري ، وذلك قوله : قال تعالى : (فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا) [الأعراف : ١٤٣]. فعرف الجبل ربه بتجلي الرب له بما أظهر له ، فعظّم الجبل الله فبلغ من تعظيم الجبل لله أن تقطع وساخ وذهب. (٥) وإن الله جعل ذلك موعظة للقلوب القاسية لتلين ، والقلوب الناكرة لتسترشد ، ولئن (٦) ترجع القلوب إلى ربها بشدة الفكر والتعظيم لله العظيم(٧).
فقال لموسى : قال تعالى : (لَنْ تَرانِي) [الأعراف : ١٤٣] من وجه ما سألت ، لأن التجلي إنما يكون من وجه يدرك من المتجلّي. فتجلّى (٨) الأشخاص للأبصار ، ولا تجلى لغير الأدوات من الأسماع والآذان والملامس ، وقد تجلّى الأصوات للأسماع ، وإنما يتجلى المتجلّي من وجه ما يدرك به ، فقد يقول السامع للكلام ، قد تجلّى لي هذا الكلام ، ولا
__________________
ـ يصنع الجبل خر موسى صعقا. الدر المنثور ٣ : ٥٤٤.
(١) في (أ) و (ج) : بأن الله.
(٢) في (ب) : وإن.
(٣) في (أ) و (ج) : الحكماء.
(٤) في جميع المخطوطات : يوسف بن الأسيابا. وهو تصحيف. والصحيح ما أثبته. قال ابن حجر : يوسف بن أسباط بن واصل الشيباني الكوفي نزل قرية حلب وأنطاكية حدث عن عامر بن شريح ، وسفيان الثوري ... الخ. تهذيب التهذيب ١١ / ٣٥٨. والثوري هو : سفيان بن سعيد بن مسروق الثوري أبو عبد الله الكوفي ، من كبار المحدثين الثقات الأثبات معدود من ثقات محدثي الشيعة ، ويسمى أمير المؤمنين في الحديث. ولد سنة (٩٧ ه). وتوفي بالبصرة سنة (١٦١ ه).
(٥) أخرج ابن أبي حاتم ، وابن المنذر ، وأبو الشيخ ، عن سفيان في قوله : (فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا) ، قال : ساخ الجبل إلى الأرض حتى وقع في البحر ، فهو يذهب بعد. الدر المنثور ٣ / ٥٤٦.
(٦) في (ب) : ولا ترجع (مصفحة).
(٧) في (د) : العليم.
(٨) فتجلى أي : فتتجلى بحذف التاء للتخفيف ، كما في قوله تعالى : ولا تفرقوا.