يراد به عيان البصر.
والله تعالى ليس بشخص فتجاهره الأبصار ، ولا هو صوت فتوعيه الأسماع ، ولا رائحة فتشمه المشام ، ولا حار ولا باد ، ولا خشن ولا لين ، فتذوقه اللهوات ، ولا تلمسه الأيدي ، لأنه سبحانه خلق الأسماع وما أدركت ، والأبصار وما جاهرت ، والمشام وما شمّت ، واللهوات وما ذاقت ، والأيدي وما لمست ، فهذه الخمس المدركات ، والخمس المدركات (١) كلها محدثات مخلوقات ، والله سبحانه لا يشبه شيئا منها ولا فيها شيء يشبه الله ، وكذلك لا يتجلى الله من وجه ما تتجلى هي ، لأنها مخلوقات ، وإنما يتجلى من وجه ما يجوز من صفته ، يتجلى بآياته وتدبيره على خلاف تجلي ما سواه ، وقد تجلّى الله سبحانه في كتابه بكلامه لنا في وحيه وآياته ، فهذا معنى من معاني تجليه عزوجل.
وقد يقول القائل : أرى عقلك صحيحا ، ويقول : إني أحبّ أن أرى عقلك وأمتحنه بتدبيرك ، فإن أحسن التدبير قال له صاحبه : قد رأيت عقلك حسنا.
وأما قول الله عزوجل : قال تعالى : (وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ ناضِرَةٌ (٢٢) إِلى رَبِّها ناظِرَةٌ) (٢٣) [القيامة : ٢٢ ـ ٢٣] ، فقد روى الناس عن سلفنا أنهم قالوا : هو النظر إلى ما يأتيهم من أمر الله (٢). وقال بعضهم : هو الانتظار لثواب الله (٣). ولا يرى الله أحد ، (٤) وكلا
__________________
(١) في (أ) : المحدثات.
(٢) قال الإمام زيد بن علي عليهماالسلام : إنما قوله : (ناظِرَةٌ) إلى أمر ربها ناظرة من النعيم والثواب. تفسير الغريب / ٣٥٩.
وقد رواه عن علي وابن عباس الربيع بن حبيب في مسنده ، وعزاه إلى مجاهد ومكحول وإبراهيم والزهري ، وسعيد بن جبير وسعيد بن المسيب ص ٢٢٦ ، ٢٢٨ ، ورواه في مجمع البيان والاحتجاج للطبرسي عن عليعليهالسلام.
(٣) أخرج ابن أبي شيبة وابن جرير ، عن أبي صالح رضي الله عنه في قوله : (وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ ناضِرَةٌ) ، قال : حسنة : (إِلى رَبِّها ناظِرَةٌ) ، قال : تنتظر الثواب من ربها.
وأخرج ابن جرير عن مجاهد رضي الله عنه في قوله : (إِلى رَبِّها ناظِرَةٌ) قال : تنتظر منه الثواب. الدر المنثور ٨ / ٣٦٠. وهو في تفسير الإمام زيد في سورة القيامة.
(٤) أخرج ابن أبي حاتم ، وأبو الشيخ عن ابن عباس في قوله تعالى : (وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ) ، قال : أول ـ